الخميس ,25 أبريل, 2024 م
الرئيسية موقف البلقاء اليوم عمر سامي الساكت .. يكتب .. الحركات الثقافية والوطنية في السلط

عمر سامي الساكت .. يكتب .. الحركات الثقافية والوطنية في السلط

912

البلقاء اليوم - عمر سامي الساكت
لحركات الثقافية والوطنية في السلط
الحلقة الثالثة
عمر سامي الساكت
مدينة السلط تفردت بمواقف ورسائل وأدوار تمثلت بزرع بذرة الوعي في مسيرة الحضارة الأردنية قبل غيرها من المدن فكانت مدينة الأوائل في مجالات كثيرة حيث كان فيها مدارس في عهد مبكر (إبان أواخر الحكم العثماني) ولكنها كانت مستأجرة ولا تفي بالغرض كما يجب ولا تسمح بتوسع نشاطها حيث يذكر أن علي عطية كان مديراً للمعارف والمال في السلط عام 1870م مما يؤكد وجود مدارس حيث ارسل علي ابنه عبدالقادر إلى دمشق الى معهد تعليمي عالي وكان معه شكري القوتلي رئيس الجمهورية السورية الاسبق، وتخرج من ذات المعهد عرار وصبحي أبوغنيمة، مما يشير إلى الإهتمام الكبير من قبل أهل السلط في التعليم رغم صعوبة الحياة أنذاك.



في بداية العشرينات كان محمد أديب حسين وهبة الدباس مدير المعارف وبعد أن قررت القيادات الفكرية والزعامات السلطية إنشاء مدرسة مستقلة في السلط لتكون صرح تعلمي فعقد إجتماعا موسعاً لجمع التبرعات لبناء المدرسة ففزع أهل السلط كعادتهم بالتبرع بما تجود به أنفسهم من مال وذهب ومواد وعمل وعلى رأسهم عبدالله الداوود ،محمد الحسين العواملة، عبدالرحيم أحمد الساكت، نمر الحمود، فلاح الحمد الخريسات، محمد مبارك العزب، بخيت الإبراهيم الدبابانة، طاهر أبو السمن، عليان السالم الحياري، صالح العيد قاقيش، سرور الحاج قطيشات والخوري أيوب الفاخوري ويذكر أن أحمد الحاج عبدالله الحديدي وسويلم عبدالقادر الجغبير تبرعا بجزء من الأرض المراد إقامة المدرسة عليها، ثم تم تشكيل لجنة من رئيس البلدية سعيد مصطفى الصليبي وعضوية كل من علاء الدين عبدالرحمن طوقان لإدارة المشروع ومن عبدالرحمن أسعد كوكش لتوفير وشراء مواد البناء وكافة المستلزمات الأخرى، حيث تم شراءها من حيفا وأما الحجر الأصفر الترابي فكان من جبل السلالم ومنطقة وادي شعيب، وتبرع منصور الداوود ببيته للمدرسة والذي مازال يحمل اسمه عليه.



للسلط وهج ثقافي عارم يتوسع بسرعة وينشر الثقافة والوعي ويرجع الفضل في إرساء ثوابت الوعي الثقافي المبكر في مدينة السلط، إلى جمهرة من الأساتذة الكبار الذين كانوا طليعة المثقفين المستنيرين في بلاد الشام ومصر، ففي العشرينات من القرن الماضي تتلمذ الطلبة الأردنيون الذين احتشدوا في قاعات مدرسة تجهيز السلط (مدرسة السلط الثانوية ) على أيدي عمالقة كبار في التعليم والثقافة الموسوعية والوعي السياسي والحزبي والقومية العربية والحس الإسلامي، وتجمع في مدينة السلط ستة عشر رجلا بطرابيشهم الزاهية وبخبراتهم وتخصصاتهم الواسعة وشكلوا نواة لوحدة عربية يحملون الهم الواحد، وإن تحدثوا بلهجات مختلفة وكان من بينهم القومي والإسلامي والدرزي والسني والشيعي، مما صنع بيئة تعايش ضمني وشغف لفهم الآخر من عاداته وتقاليده وفكره وشخصيته وبلده وغيرها من الأمور والاستفادة من ثقافته وفكره، فعلى سبيل المثال رشيد بقدونس كان يتقن اللغات اليونانية والفارسية والتركية والعربية طبعا، وسعيد البحرة خريج السوربون ومتخصص في اللغة العربية ولمعاجم وكتب التراث وأساليب تعليم اللغات، وهو موسوعي طرده الاستعمار الفرنسي لوطنيته وسعة أفقه ودوره في نشر الوعي، فكان نعمة لأبناء الأردن ككل والسلط بشكل خاص، واصبح مديرا وقائد ثقافيا، واسهم في توجيه حسني فريز وعبدالرحيم الواكد وموسى الساكت وعلي مسمار وسليمان السكر وشجعهم على الالتحاق بالجامعات كي يتولوا قيادة مسيرة الوطن في النهضة والتنوير وزرع فيهم بذرة التحدي والمغامرة والطموح للتحصيل التعليمي العالي.




إجتذبت السلط الأدباء والشعراء ، فقد جاء الشاعر الكبير محمد علي الحوماني من لبنان وهو استاذ زيد الكيلاني وحسني فريز وعبدالمنعم الرفاعي وضياء الرفاعي ورفعت الصيلبي ورشيد زيد وعبدالمجيد السالم الحياري وعبدالفتاح الحديدي وإبراهيم المبيضين، كما استقبلت السلط الشاعر نديم الملاح معلما في مدرسة السلط كما استقبلت السلط الشاعر محمد علي الحوماني اللبناني الذي شجع الطلاب على الشعر وحببهم فيه كما قاد حسني فريز وعبدالحليم عباس وعبدالله العناسوة وعبد الحافظ العزب ورشيد زيد ومصطفى زيد ومحمد رجا المسعود وغيرهم حركة الوعي الثقافي في السلط وجاء من بعدهم خليل وحكمت الساكت كما يذكر أن الشاعر خالد الساكت والدكتور محمد عطيات قد كلفا من قبل حمدي ابوالسمن رئيس البلدية انذاك بإنشاء مكتبتها عام 1965م والتي شاركت في نشر الوعي والثقافة.



مدرسة السلط الثانوية كانت خليط من المعلمين والطلاب من مختلف البلدان من مصر وسوريا وفلسطين والأردن فكونت بيئة تعايش عربي بألوان ثقافية مختلفة وأرضيات وطنية وسياسية وحزبية مما جعل أجواء مشحونة بالحماس والفخر والقومية والوطنية والشعور بالمسؤولية التي ترجمت إلى التعبير الحر عن الآراء بأسلوب حضاري راقي فانتجت شخصيات قيادية وزعامات على مستوى الأردن بما يناهز أربعمائة شخصية سياسية وحزبية وثقافية.
فأصبحت مدرسة السلط منارة للفكر والوعي الوطني والإسلامي والقومي وبؤرة للتعبير عن حرية الرأي وبؤرة للمظاهرات والإضرابات التي لاقت دعما ًوفزعة مميزة خارج أسوارها من شيوخ السلط وشبابها وشيبانها ونسائها الأحرار ، فديدن أهل السلط الفزعة ونصرة المظلوم والقضايا الوطنية والتضحية بالغالي والنفيس منذ عهد قديم من بزوغ فجر الإسلام مروراً بعهد الأمويين والعباسيين والأيوبيين حتى العثمانيين.


تلك هي السلط ورجالاتها ولا يعرف قدر الغانمين إلا النشامى.

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

هموم وقضايا