الانفعالات … مقتل السلوك الإنساني يتداول الأصدقاء والأحبة المكلومين من حولي تسجيل استشهاد معاذ عليه رحمة الله ورضوانه الذي ظهر بالأمس ، لم ألتفت إليهم ولم افتح جهازي على المشهد ولن افتحه ، فانا لا أثق بانفعالاتي ، وإن لم تكن همجية – اقصد انفعالاتي – لكنها مؤثرة في النفس ، على انني افضل ذلك لعدم التأثير والمساهمة في المشهد السلوكي العام غير السوي في كثير من الاحيان . في جلسة عامة وبمناسبة حزينة أيضا انفعل أحدهم وارتجل خطابا سلوكيا محرضا على الانتقام من القتلة ، لا ألومه فهول الحدث لا يُحتمل ، على ان كل الحاضرين طلبوا منه الهوينا خوفا على صحته بالدرجة الأولى . إن ما قام به هؤلاء القتلة ليس غريبا أو جديدا فقد حصل قبل اسبوع وأسبوعين وشهرين وسنة وسنتين ، وماضيه محاكاة لجماعات ظهرت في التاريخ العربي الإسلامي في الدولتين الاموية والعباسية ، وما بعدهم إلى يومنا هذا ، فتصرفات عصابة الحجاج والقرامطة والزنادقة وزنج البصرة وعياري وشُطار الامين والمأمون معروفة لدى من قرأ التاريخ . تهييج السلوك كما يصطلح علم النفس تسميته يخلق واقعا سلوكيا جديدا لدى الإنسان ، هذا ما سعى إليه القتلة ، فإما يؤدي إلى الخوف والانهيار والاستسلام والخنوع، وإما التسرع والانفعال الاهوج الذي يؤدي للوقوع في الاخطاء وبالنتيجة الانهيار . في الشارع وعلى المحطات الفضائية وأشرطة التعليق ، هتافات وأحاديث وهراء ليس له مسوغ أو مبرر، ما دخل اللاجئين السوريين في الموضوع ،حتى نطالب بمغادرتهم فالقتلة من كل ملة ومن بينهم اردنيين ، وما دخل السلفيين الرافضين لتصرفات القتلة ولا يُقرونها ، حتى كبيرهم في الوطن ( أبو سياف) سمعناه على الفضيات يعلن عدم الرضا عما جرى ، وكيف يطالب بعضهم بحرق المحكومين بالإعدام وليس شنقهم ؟؟، مطلب غريب يعني انك تتخلق بأخلاقهم ..( فلا تنه عن خلق وتأتي بمثله*** عار عليك إذا فعلت عظيم ). قبل أربعة عقود وفي بلد عربي وتحديدا ليبيا وفي بلدة الفجيج التي تتبع وادي اوباري جنوب سبها من أرض فزان ، حيث كان لي شرف تعليم أبنائهم القراءة والكتابة، تحدث أهل القرية أمامي عن مقبرة قريبة من منازلهم على تلة مجاورة يسمونها ( مقبرة الفلاقة) والفلاقة بلهجتهم تعني( الحرامية) أي اللصوص ، يسمعون فيها جلبة وصوت عراك كل ليلة خميس كما يقولون ، وقد أخذوني إلى مكان قريب منها في ليلة ظلماء ، ليثبتوا لي ادعا ءهم ، وطلبوا مني الإنصات ، وقد سمعوا جميعا الاصوات ، وكنت الوحيد بينهم الذي لم أسمع …قصة هؤلاء ( الفلاقة) انهم يعتدون على الفلاحين ويسرقون مواشيهم وما يملكون ، وعلى ما يبدو انهم اختلفوا في إحدى المرات فاقتتلوا فيما بينهم وسمع أهل القرية الصوت والصراخ في الليل ، وفي صباح اليوم التالي عُثر عليهم جميعا جثثا هامدة فتم دفنهم في هذه المقبرة . إن أمد البغي قصير ، والظلم مرتعه وخيم ، وإن دولة الظلم زائلة لا محالة وما قام به هؤلاء لهو بداية النهاية ، فدعوا الامور تمشي لبغيتها ، وسينفض القوم من حولهم ، وخففوا أيها الأردنيين من انفعالاتكم فانتم ليسوا في عرس ،أو موكب خريجين ، أو ( هوشة) حواري ( يا بنيه يللي بالبيت شوفيني كني ذليت) ، أنتم في عالم المصالح والمتناقضات ، وإن غدا لناظره قريب .
