الأربعاء ,24 أبريل, 2024 م
الرئيسية فكر وأدب وثقافة جريس سماوي "قصة" القصيدة الأخيرة لناهض حتر

جريس سماوي "قصة" القصيدة الأخيرة لناهض حتر

1050

البلقاء اليوم -

البلقاء اليوم -السلط

جريس سماوي

منذ الصدمة التي تلقيناها في استشهاد الكاتب والمفكر الأردني ناهض حتر وأنا أحاول الكتابة عن هذا الحدث. ولعل كتابتي لن تأتي بعد لكني أصف بعض الوصف وأبكي بعض البكاء وأتأمل، لعل في موته حزمة ضوء لنا من أجل القادم من الأيام :-

كأنك لم تمت، بل إنك لم تمت، تجاوزت الحزن الذي عصف بنا جميعا والجرح الذي نزف من قلب الوطن الى لحظة مضيئة قادمة يقف حولها أبناء الوطن لينيروا بها الظلام من حولهم رافعين دمك إلى الأعالي قربان خلاص لنا، نزفك مع الشهداء ونضعك في الوجدان هناك في ضمير الناس. كأنك لمتمت، بل أنت لم تمت أبدا، حين هاتفتني في منتصف الليل تماما قبيل ساعات من توجهك الى قصر العدل لتسأل عن قصيدتك ( الحفيدة ) التي أرسلتها ألي بالبريد الألكتروني. قلت لي: أثق بذائقتك الشعرية وأريد رأيك النقدي بها. قلت لك بعض الكلمات ليست شاعرية وأقترح ان تستبدل، مثل كلمة ( المدحلة ) مثلا. أجبت: ليكن، لكن أرسلها لي سريعا. قلت لك: غدا في الصباح الباكر. ولم أكن أعلم أن في الصباح الباكر سيكون لك موعد آخر وقرار آخر وستبقى قصيدتك بين يدي. نهضت باكرا وقلت لنفسي: لقد وعدت ناهض أن ارسل له القصيدة هذا الصباح. في التاسعة فتحت جهاز الحاسوب، صنعت قهوتي المرة ووقفت أمام القصيدة بتؤدة وأناة ورفق ولم أكن أعلم أن الزمن يسيل من بين أيدينا وأنه بعد ساعة وأنا أمام الحاسوب سيأتيني هاتف يهتف بنبأ أغتيالك الجارح. يا ألهي ، لقد دخلت القصيدة في لحظة الخلود ولم يعد لي حق المساس بها ولا تعديلها لأنها أصبحت ملك التاريخ. كنت سأقترح بعض التعديلات، وسأحذف كلمة المدحلة، لا شك، وآخذ رأيك وفي الأغلب ستوافق على تعديلاتي. لكن النص ملك لصاحبه وقد دخل الآن في ضمير التاريخ ممهورا بالدم معمدا به. لقد كتبت قصيدتتك بدمك ولن يتغير حرف واحد فيها. تقول في قصيدتك مخاطبا ابنك المعتصم: ( ألا إنَّ أباكَ الذي تعرِفُ دمعُه لا ينزِفُ إلا داخِلَهْ ثمَّ يمضي للمهمَّاتِ كالمِدْحَلَهْ)

نعم لقد كنت كالمدحلة تسير وتطحن الآلآم والعقبات والصعاب التي تقف في طريقك. يا ناهض الحبيب يا رفيقي في الكلمة والشعر والصبابات منذ طفولة بعيدة، منذ أماسي الشعر في المصدار وفي الفحيص، ومنذ العشاءات الصغيرة ذات الزعتر والزيت ودمع الشاي المعطر بالمريمية التي كانت تعدها أمك أو أمي ونحن منهمكان بنقاش الأدب والالتزام والواقعية الاشتراكية. كنا مختلفين وكنا صديقين.. وكنت تؤمن بالحوار والحركة، لكنك كنت تحترق بطيئا من أجل لحظة الشهادة هذه التي أضاءت حولنا باستشهادك من اجل التنوير في مواجهة الظلام. اترك لك قصيدتك كما هي اتركها للمعتز والمعتصم ولأخوتك وأصدقائك ورفاقك ومحبيك والمؤمنين بالحياة والمستقبل والنور




التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

هموم وقضايا