الجمعة ,19 أبريل, 2024 م
الرئيسية موقف البلقاء اليوم «حسرة» على الإدارة العليا في الأردن

«حسرة» على الإدارة العليا في الأردن

1640

البلقاء اليوم - السلط

ما الذي تعنيه صعوبة تدبير «رواتب» في شركة عامة عملاقة تمثل ما يصل ل12 في المئة من قيمة الاقتصاد الأردني وتعتبر المؤسسة الأكبر في مجال التصدير مثل الفوسفات؟.
تعلمنا ونحن صغار بان الفوسفات مع البوتاس هما الثروة الحقيقية للأردنيين.

لكن الاستماع إلى رأس الهرم في إدارة هذا القطاع الوطني الاستراتيجي محبط ويثير الاستغراب ويعيد طرح سؤال طرحه في الماضي الأمير حسن بن طلال عن أسرار الإنتاج المضاعف لهكتار الأرض الزراعية عند الاحتلال المجاور مع ان الأرض نفس الأرض.

عندما يتعلق الأمر بالفوسفات يصبح السؤال الفني كالتالي: لماذا يكلف إنتاج الطن الواحد في المغرب 35 دولارا وفي الدول الصناعية المعنية 45 دولارا في اقصى حد بينما في الأردن 75 دولارا؟.

سمعنا أجوبة محبطة من إداري صادق ورفيع المستوى كلف بإدارة القطاع مؤخرا هو الدكتور محمد الذنيبات وزير التربية والتعليم الاسبق.

الوقائع الرقمية تبدو مريعة وتدلل على جزء من التراجع الحاد في منظومة الإدارة الأردنية ففي هذه الشركة الحيوية التي تعاقب على إدارتها العشرات من الذين يحملون لقب «المعالي» تم منح 200 موظف يعملون في مدينة العقبة فقط بعام واحد 19000 يوم إجازة.

عند التدقيق في حال المؤسسة اليوم يكتشف المعنيون حالة انفلات إدارية غير مبررة ونفقات غريبة وكأن مال المساهمين والأردنيين هنا «سايب» تماما حتى وصل الأمر لأزمة تدبير رواتب لجيش من الموظفين الذين لا يعملون والذين تم تعيينهم اصلا كجوائز ترضية وضمن سياق نظرية معلبة وأمنية قديمة راهنت على فكرة «اطعم الفم لتستحي العين» وعلى اساس ما يصفه الدكتور مروان المعشر دوما بـ«العلاقة الرعوية» السائدة في اوساط القرار والمجتمع.

آلاف الموظفين يتكدسون في هذه المؤسسة الكبيرة وليس من بينهم إطلاقا مدير موارد بشرية متخصص او مساعد مدير فني او حتى مشرف مالي بخبرة تناسب حجم عمل الشركة الهائل.
لا أحد يريد الإجابة على السؤال التالي في الأردن: لماذا يحصل ما يحصل أصلا؟

لكن الإجابة الصحيحة تتعلق بالقناعة بان «المحاصصة البغيضة» وتوزيع مكاسب الوظائف العليا على طبقة من المحظيين غير المهنيين والسهر على تعميق العلاقة الرعوية خلافا لمنطوق الخطاب العصري كلها عوامل وأسباب تقول بان التراجع «يضرب بلا وجل او خجل» في الإدارة الأردنية.

لا يقف طرح الاسئلة في الاردن وعلى كل الصعد خصوصا عندما يتعلق الامر بأداء اداري باهت او بقرارات واجراءات لا معنى لها ويثبت في بعض الاحيان انها خاطئة لكن السلطة تجد صعوبة في التراجع عنها.
ثمة ثقافة سائدة وغريبة وسط الدوائر الرسمية الاردنية خلافا لثبوت ورسوخ قواعد ثقافة إنكار المشكلات وهي ثقافة عدم التراجع عن القرار الخاطئ.

البقاء في بركة الخطأ والاجتهاد غير المصيب أفضل بالنسبة لنمط من المسؤولين من الاقرار بخطأ الاجتهاد.
لدينا مثال قوي جدا على ذلك في مسألة سبق ان اثرناها وهي قطاع الطب في الاردن حيث يصرخ الاطباء بأعلى صوت لان قطاعهم فقد اكثر من 90 في المئة من استثماراته بسبب قرار بيروقراطي صغير اتخذه مدير أمني سابق بعنوان فرض قيود التأشيرات على رعايا عدة دول كانت ترسل مرضاها إلى الأردن بالآلاف ومن بينها السودان وليبيا والعراق واليمن.

المثير جدا في هذا الأمر ان نخبة من كبار مسؤولي الحكومة يقرون بفصيح اللسان بان القرار المشار اليه ليس أكثر من اجتهاد خاطئ وألحق ضررا كبيرا في قطاع أساسي وحيوي كان يخدم سمعة البلاد في الخارج.

يكثر المسؤولون هنا وبشهادة اطباء كبار من إظهار التعاطف والتفهم وإدراك نسبة الخطأ لكن احدا منهم لا يريد اتخاذ قرار معاكس لتصويب القرار الخاطئ.

تلك مفارقة دائمة ومتلازمة مع الإدارة الأردنية في كثير من الأحيان لا يمكن فهمها، الأمر الذي يثبت عدم وجود ديناميكية حقيقية في عمق جهاز الإدارة تحت عنوان التقييم والمراجعة، حيث من الصعب ومن غير المستساغ مراجعة أي قرار أو إجراء لأن الموظف الأردني العمومي لديه عقدة «الخطأ» ويخجل من التجربة.

كما يثبت بان التشدد وراء الخطأ هو الخطوة الأساسية بالنسبة لنخبة كبار المسؤولين بدلا من الإقرار بالخطأ أو حتى التراجع عنه بدون اقرار.
ما يجري في ملفات مثل الفوسفات والطب كارثي بامتياز وغريب جدا ويدلل على ان الإدارة السياسية للسلطة تنسى الكثير من المؤسسات وتتجاهلها لا بل وتسمح في إفسادها إداريا وماليا أو تسكت على اعطاب مسيرتها او التأثير السلبي على خططها وكأن الحياة جسد وبلا روح في دوائر القرار المتعلقة بالإدارة رغم ان الملك عبد الله الثاني يتحدث باهتمام وحرص دوما عن الاصلاح الاداري.

طبعا يعرف الجميع بان مؤسسات أخرى تواجه نفس المصير.

يحصل ذلك بصراحة واختصار لأن نخب الإدارة والحكم تخشى بعضها ولا تريد شيئا من فضيلة التراجع عن الخطأ وتصر على التمسك بمصالحها الفردية او الشللية فقط في إطار موجات الإدارة المرعوبة.

ويحصل ذلك لأن المناصب والالقاب والوظائف العليا حتى في شركات الحكومة الكبرى تمنح كعطايا ومكرمات وجوائز ترضية لمن فاتته فرصة وزارة أو خسر انتخابات أو خرج للتو من متاحف الإدارة ومؤسساتها، الأمر الذي تحرم منه كفاءات حقيقية وخبرات عريقة مما يقود بالنتيجة إلى الوضع الحالي…. وهو أمر يدعو للحسرة.

«القدس العربي»




التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

هموم وقضايا