كوني مغترب "مُتعائد"...فأنا أعرف تماماً ، انك إذا أردت إن تعرف كم بقي عن الإجازة الصيفية ..ما عليك سوى ان تفتح ثلاجة في الغربة عندها ستكتشف ذلك وحدك..حيث تتغيّر وحدة الشراء بعد منتصف حزيران من كل عام من "الكيلو" إلى الحبّة ، ومن الصناديق إلى الآحاد..وتبدأ تنتشر قناني الماء في الجيوب الجانبية والرفوف العلوية عل حساب الفاكهة والأغذية واللحوم والأجبان..فعملية التفريغ الممهدة ليوم الاجازة ، تتم تدريجياً تحت عنوان " ما احنا مروحين"..
جميل حزيران،وحزين حزيران أيضا...جميل عندما ترى أسواق التخفيضات مكتظة بالمتسوّقين ،يقلّبون القمصان ويتأكدون من السعر ،إذا كان مناسباً يضعونه في العربة وإذا لم يكن مناسباً أعادوه إلى الرفّ بعد التأكد أن المنطقة خالية من مراقبة البائعين ، ثم ينتقلون مباشرة إلى القطنيات ، فانيلا للخال..سروال صيني للعم ..ومن القطنيات الى ركن العطور المقلّدة، وبعدها الى الكهربائيات؛ فرامة ملوخية للحماة ، مطحنة قهوة للحجة ، خلاط كوكتيل للأخت الكبرى ..بطاريات للألعاب ، باربي صناعة صينية لابنة الأخ ، "دزينة" ملاقط غسيل "لأي حدا"، مقصات شوارب، ماكنات حلاقة "تقليد" لمن أوصى على ذلك بمسج من خلال "الواتساب" ..أي شيء...
حتى سوق "العبايات" ينشط في حزيران ايضاً..مفاصلة طويلة ، اختيار متأنٍ ، هنا تطريز صارخ، هنا نقشة طاووس، هنا سادة، هنا عليها خرز ناعم ، ثم يتم إعطاء صاحب المحل العدد والمقاسات بدقة ووضوح..جميل حزيران عندما تتحوّل ورقة الروزنامة الى تذكرة سفر..والرطوبة المسائية الى رذاذ السعادة..
لكنه حزين حزيران...عندما تقفل أبواب الشقق "ثلاث طقّات"، وتنزل الحقائب الثقيلة في المصاعد..وتخلع الشوراع أزماتها..ويصبح الوقوف على الإشارة الضوئية عادياً..والمقاهي نصف فارغة ، والبنايات هادئة ساكنة..حزين حزيران..عندما تزدحم المطارات بالمغادرين وتعجّ الساحات بالحقائب الملونة، ويعود صدى نداءات الإقلاع ، وأرقام الرحلات من سقف المطار الشاهق ، حزين حزيران عندما .. يطلق الصيف زفيره العميق من خراطيم الطائرات غربة ومسافرين ملفّعين بالشوق والحنين..
وأخيراً حزين جداً حزيران...عندما يتذكّر المسافر المشتاق في منتصف الرحلة أن ليس لديه وطن يعود اليه...
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com
