الجمعة ,26 أبريل, 2024 م
الرئيسية فكر وأدب وثقافة من "مجموعة قعدة الطف" علق وشرح الدكتور ياسر الشمالي على قصيدة كعب بن زهير"بانت سعاد"

من "مجموعة قعدة الطف" علق وشرح الدكتور ياسر الشمالي على قصيدة كعب بن زهير"بانت سعاد"

1484

البلقاء اليوم -
من "مجموعة قعدة الطف" علق وشرح الدكتور ياسر الشمالي على قصيدة كعب بن زهير"بانت سعاد"

قصيدة كعب بن زهير رضي الله عنه: "بانت سعاد..."
التي ألقاها أمام الرسول صلى الله عليه وسلم- في المسجد النبوي
- وما فيها من براعة استهلال،- بالمقدمة الغزلية على عرف الشعراء- يلمح فيها عن سعادته بعفو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقائه به، ووفوده للمدينة المنورة لإعلان اسلامه
- وما فيها من حكمة الشعر، وأثره في توصيل المطلوب وبيان مكنونات النفس وشعورها
- وما فيها من بيان سماحة الاسلام وإعطائه فسحة للأدب والتعبير عن مكنونات النفس، وأن المسجد كان منارة للعلم والأدب والتربية ونشر دعوة الحق
أبدأ ببيان صحتة وثبوت القصة والقصيدة، ثم بيان محتواها، وما فيها من بلاغة وحسن سياقة، ثم دلالاتها وفوائدها
أولاً: صحت القصة والقصيدة، وثبوتها تاريخياً
هذه القصة مع ذكر القصيدة مشهورة، وقد أوردها اكثر أهل السير والمغازي
أولا: ذكر أهل العلم لها دون نكير، فمن ذلك:
- قال ابن عبد البر: وَقَدْ أَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصِيدَتَهُ اللَّامِيَّةَ، أَوَّلُهَا : بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ. وفيها من التشبيب والمدح ضروب"، "الاستذكار"
- وأخرجها البيهقي في "سننه الكبرى" (10/243) محتجا بها ، وبوّب عليها فقال : بَابُ مَنْ شَبَّبَ فَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا ، لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُشَبِّبَ بِامْرَأَتِهِ"
- وأثبتها ابن القيم : إعلام الموقعين" (4/262) والحافظ ابن حجر فتح الباري14/200
- يقول عطية محمد سالم: وربما يأتينا إنسان ويقول: ماذا تقولون في قول كعب بن زهير:
بانت سعادُ فقلبي اليوم متبول متيمٌ إثرها لم يُفدَ مكبولُ
وما سعاد غداة البينِ إذ رحلت إلا أغنٌ غضيضُ الطرفِ مكحولُ
أليس هذا غزل في سعاد ؟! يقول نقاد الأدب الإسلاميون: إن افتتاح الشاعر قصيدته بالغزل الرفيع المستوى في غير معين يعتبر من باب التشويق وتوجيه الأذهان إلى الموضوع الأساسي؛ لأن الشاعر انتقل من ذكر سعاد إلى قوله: نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول وذكر صفات الناقة، وذكر غير ذلك، وانتهى إلى موضوعه بأنه يلتمس العفو من رسول الله صلى الله عليه وسلم،( شرح بلوغ المرام/6/54)
ثانياً: تصحيح المعاصرين لها:
صنف في قصة كعب بن زهير وقصيدته:
- الشيخ إسماعيل الأنصاري كتاب: "القول المستجاد في صحة قصيدة بانت سعاد"
- وكذلك للدكتور سعود الفنيسان كتاب: "توثيق قصيدة بانت سعاد في المتن والإسناد"
ثالثا: شروح القصيدة:- بلغت خمسين شرحا، منها اللغوي، والنحوي، والأدبي، والصوفي- ، منها:
-شرح الخطيب التبريزي- ت: ٥٠٢ هـ (مطبوع)
- ومنها: شرح جمال الدين ابن هشام النحوي المتوفى :761هـ
- ومنها شرح السيوطي المسمًى: "كنه المراد في بيان بانت سعاد"
رابعا: تخريج وبيان أسانيد قصة كعب بن زهير وقصيدته، وبيان صحتها:
( درس صحة الواقعة عدد من الباحثين، في مقالات وبحوث بعضها منشور في النت، ورجحوا صحة الواقعة. وقد استفدت من بحثهم وتخريجهم)
لها أكثر من سبعة طرق، فمنها:
* الطريق الأولى:
أخرجها ابن سلام الجمحي في "طبقات فحول الشعراء" (برقم:118): وأخبرني محمد بن سليمان، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قال...
وهو إسناد صحيح الى سعيد بن المسيب، وهو من كبار التابعين
قال ابن معين :" أَصَحُّ الْمَرَاسِيلِ مَرَاسِيلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ". الكفاية للخطيب/404
وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" 1472- من وجه آخر عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب قال: ....فذكر الخبر
* الطريق الثانية: أخرجها : الحاكم في "المستدرك" (6479) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:( أَنْشَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ بَانَتْ سُعَادُ فِي مَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ : فَلَمَّا بَلَغَ قَوْلَهُ :
إِنَّ الرَّسُولَ لَسَيْفٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ
فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِكُمِّهِ إِلَى الْخَلْقِ لِيَأْتُوا فَيَسْمَعُوا مِنْهُ.
ومغازي موسى بن عقبة من أجود المغازي
كان مالك بن أنس إذا قيل له مغازي من نكتب؟ قال: عليكم بمغازي موسى بن عقبة؛ فإنه ثقة "الجرح والتعديل" (8/154)
وهناك طُرق أخرى من يريد معرفتها يراجع صفحة الكاتب في الفيس بوك
خامساً: دلالات قصة إسلام كعب:
يستفاد من قدوم كعب، والقائه قصيدة ( بانت سعاد) بحضرة النبي- صلى الله عليه وسلم- في المسجد :
1- لطف النبي- صلى الله عليه وسلم- ورحمته حيث استقبل كعب بن زهير، وأذن له مع كونه قد صدر منه ما يسيء للمسلمين
وهذا مصداق قوله تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك...)
2- جواز انشاد الشعر في المسجد، وبحضرة أهل الفضل، مما يدل على فسحة كبيرة للأدب والاسترواح في ديننا
3- أهمية الشعر، وأُثره في ايصال المطلوب، حيث آثر كعب بن زهير أن بعبر عن نفسه ويُعلن توبته وإسلامه بأبيات من الشعر
4- التسامح مع ما تعارف عليه الشعراء في ذلك الوقت بابتداء القصيدة بالمقدمة الغزلية، وما فيها من مشاعر ووصف للمحبوب، وفي ذل تقدير للعرف الذي لا يصادم محرما
وتُعد أمثال هذه المقدمات مما يدل على براعة الشاعر، وتلميحه لمحتوى قصيدته، وهو ما يدخل في براعة الاستهلال، فليس من فراغ ان يفتتحها بذكر سعاد ليعبر عن سعادته بلقاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمله الكبير بعفوه
سادساُ: أحدثت هذه القصيدة تأثيرا كبيرا على الشعراء في العصور اللاحقة، سواء في مضمونها أو أسلوبها، فكم من معارض لها، وكم من مستفيد من صورها وألفاظها
فجاءت قصيدة البردة للبوصيري، وقصيدة نهج البردة لأحمد شوقي
ومن أشهر قصائد المدائح النبوية التي عارضت “بانت سعاد” لامية الحميدي التي مطلعها:
بانت سُليمى ففكر الصب مشغول *** وقلبه من لظى الهجران مشغول
وأشهر هذه المعارضات هو لامية البوصيري التي يقول في مطلعها:
إلى متى أنت باللذات مشغول *** وأنت عن كل ما قدمت مسئول
وقد نظم بعض علماء مصطلح الحديث:
يا من حديث غرامي في محبتهم ** مسلسل وفؤادي منه معلولُ
حبي صحيحٌ ومقطوعٌ به ألمي ** عشقي حديثٌ قديم فيك منقول

ويتبع في القسم الثاني، الكلام على بلاغة كعب بن زهير، وحسن إيراده للقصيدة، والمعاني الجميلة التي تضمنتها


القسم الثاني:

بلاغة كعب بن زهير، وعلو كعبه في التعبير ، وحسن انتقاله من معنى إلى آخر:

القصيدة جاءت في إطار السمات العامة لقصائد الشعر الجاهلي؛ حيث تضمنت من أغراضه: الغزل والوصف والحماسة والمدح والاعتذار والحِكَم والأمثال، وتميزت القصيدة بجزالة الألفاظ وقوة الجرس الموسيقي، وتسودها ملامح حياة البادية، فترى فيها الرياح والرمال والنوق والسيوف

حيث بدأ على عادة وأسلوب شعراء الجاهلية، بوصف المحبوب ، فقال ( من بحر البسيط):
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ ... ** مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إِذْ رحلوا... ** إِلَّا أَغَنٌّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
هَيـفــاءُ مُقبِـلَـةً عَجــزاءُ مُـدبِــرَةً ** لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طـولُ
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت ** كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ
.....
ثم بين أنه لا يُستطاع الوصول لسعاد الا على نوق نجيبات سريعات، فهي قد نأت إلى مكان بعيد يصعب الوصول إليه، ولا يستطيع أن يصل إليها إلا على ناقة سريعة قوية، فأخذ في وصف الناقة:
أَمْسَتْ سُعَادُ بِأَرْضٍ مَا يُبَلِّغُهَا ... إِلَّا الْعِتَاقُ النَّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ
وَلَــنْ تَبْلُغَــهَا إِلَّا عَـــذَافِــرَةٌ ** فِيهَا عَلَى الْأَيْنِ إِرْقَالٌ وَتَبْغِيلُ
مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت ** عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ
تَرمـي الغُيـوبَ بِعَينَي مُفـرَدٍ لَهَقٍ ** إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ
ضَـخــمٌ مُـقَلَّـدُها فَعَــمٌ مُقَيَّـدُها ** في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ
.... إلى آخر ما وصف به الناقة -عشرون بيتا-
ثم انتقل إلى بيان مواعيد المحبوب وأنه يماطل ويمني ويخلف الوعد:
وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت ** إلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ
كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً ** وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ
أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَـلنَ فـي أَبَدٍ ** وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ
فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت ** إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ
ثم انتقل بعد ذلك، للحديث عن الوشاة الذين يحيطون به وبالناقة، وإيمانه بالمقدر:
تَسْعَى الْوُشَاةُ جَنَابَيْهَا وَقِيلِهِمُ ... إِنَّكَ يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
خَلُّوا الطَّرِيقَ يَدَيْهَا لَا أَبَا لَكُمُ ... فَكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَفْعُولُ
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ ... يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ
ثم انتقل إلى بيان ثقته بعفو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولطفه، وبيان محاسن الاسلام :
أُنبِئتُ أَنَّ رَسـولَ اللَهِ أَوعَـدَني ** وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال ** قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم ** أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقـومُ بِـهِ ** أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ
لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ ** مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ
مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً ** جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ
حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ ** في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ
لَذاكَ أَهَيــبُ عِنــدي إِذ أُكَلِّمُــهُ ** وَقيلَ إِنَّكَ مَسبورٌ وَمَسؤولُ
مِن ضَيغَمٍ مِن ضِراءَ الأُسدِ مُخدِرَةً ** بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ
يَغدو فَيَلحَمُ ضِرغامَين عَيشُهُما ** لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ
إذا يُسـاوِرُ قِـرنـاً لا يَحِـلُّ لَهُ ** أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ
مِنهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحشِ ضامِرَةً ** وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ
وَلا يَــزالُ بِـواديِـهِ أخَـو ثِـقَـةٍ ** مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدَرسانِ مَأكولُ
إِنَّ الرَسولَ لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِهِ ** مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ
ثم انتقل الى مدح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهجرتهم من مكة، وما هم عليه من الايمان والنخوة والفروسية:
في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم ** بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا
زَالـوا فَمازالَ أَنكـاسٌ وَلا كُشُـفٌ ** عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ
شُـمُّ العَرانيــنِ أَبـطـالٌ لَبـوسُـهُمُ ** مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ
بيضٌ سَوابِغُ قَـد شُكَّـت لَها حَـلَقٌ ** كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ
يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم ** ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ
وملا ينسى كعب بيان الذوق الرفيع الذي امتاز به الصحابة في تعاملهم مع العدو، وشجاعتهم:
لا يَـفرَحـونَ إِذا نالَـت رِماحُـهُـمُ ** قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا
لا يَقَـعُ الطَـعـنُ إِلّا فـي نُحورِهِـمُ ** ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ
رحم الله كعب بن زهير
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ( إن من الشعر لحكمة)

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

هموم وقضايا