السبت ,27 أبريل, 2024 م
الرئيسية شخصيات المحافظة التل .. تدخل مجلس الأمن ليمنع الكتيبة السادسة التي يقودها من تحرير القدس الغربية

التل .. تدخل مجلس الأمن ليمنع الكتيبة السادسة التي يقودها من تحرير القدس الغربية

1939

البلقاء اليوم - البلقاء اليوم ---السلط

بقلم: زياد ابو غنيمة ( رحمه الله )



لم يكن يخطر ببال يوسف التل وهو يطلق إسم ' عبد الله ' على المولود الجديد الذي رزقه الله به في عام 1918 م أن هذا ' العبد الله ' سيخلد في كتب التاريخ كواحد من أبناء إربد الذي كان لهم شرف قيادة المعركة مع العديد من نشامى ضباط وجنود الجيش العربي الأردني للدفاع عن القدس الشريف في وجه العصابات اليهودية في حرب 1948 م ، وكأترابه من أبناء جيله ألحقه والده بأحد كتاتيب إربد ليلتحق بعد ذلك بالمدرسة الرُشدية الحكومية ليكمل فيها دراسته الإبتدائية ، ثمَّ انتقل إلى مدرسة السلط التي كانت الثانوية الوحيدة في شرقي الأردن ليكمل فيها دراسته الثانوية في عام 1937 م

وبعد تخرُّجه من مدرسة السلط الثانوية عمل لمدة خمس سنوات موظفا مدنيا في مديرية الجوازات ثمَّ التحق بالجيش العربي الأردني في عام 1942 م برتبة ملازم وكان من أوائل الضباط الذين أرسلوا إلى بريطانيا في بعثة عسكرية ليشارك في دورة لضباط أركان الحرب في عام 1946 م

وعاد عبد الله التل إلى الأردن ليكون على رأس الكتيبة السادسة المعسكرة في الأغوار الشمالية ، ولم يطل الأمر حتى بدأ الوضع في فلسطين يتسارع لصالح العصابات اليهودية بدعم من قوات الإحتلال البريطاني التي حرصت على إمداد اليهود بالسلاح وتمكينهم من الإستيلاء على النقاط الإستراتيجية وخاصة في منطقة القدس قبل أن تقوم بالإنسحاب من فلسطين في 14 / 5 / 1948 م

وأدرك أهالي القدس خطورة الوضع العسكري فأرسلوا وفدا إلى عمَّـان لمقابلة الملك عبد الله الأول بن الحسين ليشرحوا له خطورة الوضع في القدس ، فأصدر الملك أوامره لقائد الجيش الضابط الإنجليزي جون كلوب باشا بتحريك الكتيبة السادسة التي يقودها القائد عبد الله التل فورا إلى القدس لحمايتها من العصابات اليهودية ، وما كادت الأوامر تصل إلى التل حتى وجه إلى ضباط الكتيبة السادسة وجنودها الأمر العسكري التالي :

' أيها الضباط وضباط الصف والجنود في الكتيبة السادسة ، إن مصير العالم العربي يتوقف على ثباتكم وشجاعتكم وصبركم.. إنكم ولا شكَّ ستحافظون على سمعة الجندي العربي الذي إذا هاجم لا يهاب الموت، وإذا دافع لا يتراجع حتى النهاية ، هيا لتبييض أعراض العرب بالدماء ، والله ينصركم ' ، وعندما وصلت الكتيبة إلى مشارف القدس عند باب رأس العمود الذي يشرف على القدس القديمة وأغلب أحياء القدس الجديدة ، قام القائد التل بتوزيع قواته على المواقع المهمة فوق سور القدس التي يهددها اليهود بالاقتحام ، وفي ليلة 16 / 5 / 1948م وصلت معلومات إستخباراتية إلى القائد التل عن تحضيرات تقوم بها العصابات اليهودية لاقتحام أسوار القدس القديمة من جهة باب النبي دواود القريب من الحي اليهودي داخل القدس القديمة ، فوضع التل مع ضباطه خـُـطـَّـة لاستدراج العصابات اليهودية إلى داخل القدس بالتظاهر بالإنسحاب أمامهم ، ونجحت الخـُـطـَّـة ، فما أن أصبح حوالي التسعين من المقاتلين اليهود داخل الحي اليهودي حتى حاصر نشامى الكتيبة السادسة الحي اليهودي ومنعوهم من الحركة ، وما أن وصل الخبر إلى الملك في عمَّـان حتى أصدر أمره بتعيين القائد التل قائدا لجميع القوات المقاتلة من المتطوعين في جبهة القدس وكان معظمهم من جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ومصر وسوريا ، وأخذ الجيش الأردني بتضييق الحصار على الحي اليهودي فمنعوا عنه الماء وإمدادات السلاح والغذاء ، ولم يلبث أن أصدر القائد التل إنذارا إلى اليهود بأن عليهم الإستسلام فورا وإن لم يستسلموا سيقوم بقصف الأحياء اليهودية جميعها وتدميرها تمهيدا لاقتحام الحي ، وما أن إنقضت الممنوحة لليهود للإستسلام حتى بدأ قصف الجيش الأردني على الحي ، وفي هذه الأثناء حاولت العصابات اليهودية في القدس الجديدة نجدة المُحاصرين ولكن نشامى الكتيبة السادسة كانوا لهم بالمرصاد ، وأعاد اليهود الكرَّة مساء 24 / 5 / 1948م فشنـُّـوا هجوما كبيرا من جهة باب النبي داوود لإدخال النجدات إلى الحي اليهود ولكن الهجوم فشل وخسر اليهود حوالي ستين قتيلا ، ولم يكن أمام المقاتلين اليهود المحاصرين في الحي اليهودي أمام تصاعد حدَّة القصف عليهم وفشل جميع المحاولات لنجدتهم إلا التمترس في كنيس الحي فوجـَّـه القائد عبد الله التل إنذارا لإخلائه حتى ظهر 27 / 5 / 1948م وإلا سيهدمه فوق رؤوسهم ، وفي هذه الأثناء ألحَّ مندوب الصليب الأحمر في القدس كروفوازيه على القائد التل ليرفع الحصار والسماح بدخول الإمدادات إلى الحي اليهودي وعندما لم يعره التل أي إهتمام هدَّده كروفوازيه بأنه سيطلب إدراجه كمجرم حرب ، ولكن التل لم يأبه لتهديداته ، وعندما إنقضى الأجل قامت قوة من الكتيبة السادسة بقيادة الرئيس محمود الموسى العبيدات بوضع خـُـطـَّـة لإقتحام الكنيس ، وتمكن المجاهد المتطوع فوزي القطب تحت حماية الجيش العربي من تفجير لغم كبير أحدث ثقبا واسعا في أحد جدران الكنيس فاقتحمه النشامى ولم يلبثوا أن رفعوا العلم الأردني فوق الكنيس ،.

هنالك لم يعد أمام اليهود إلا الموافقة على الإستسلام فأوفدوا حاخامين ليبلغوا القائد التل موافقتهم على الإستسلام ، ثمَّ قدم وفد عسكري للتفاوض على شروط الإستسلام برئاسة قائد مقاتلي عصابة الهاجاناه موشيه روزنك الذي سلم بمجرد وصوله مسدسه للقائد التل ، وبعد مفاوضات سريعة في يوم 28 / 5 / 1948 م بحضور الرئيس محمود الموسى العبيدات وممثل الأمم المتحدة في بلدية القدس السنيور أسكراتي ، وافق اليهود على الشروط التي وضعها التل وتمَّ التوقيع عليها وجاء في الوثيقة :

بناءً على الطلب المقدَّم من يهود القدس القديمة للإستسلام قدَّم الفريق الأول) الجيش العربي ) شروط الإستسلام فقبلها الفريق الثاني ( اليهود ) وهي :
1 ــ إلقاء السلاح وتسليمه للفريق الأول .
2 ــ أخذ جميع المحاربين اليهود من الرجال أسرى حرب .
3 ــ السماح للشيوخ من الرجال والنساء والأطفال ومن كانت جراحهم خطيرة بالخروج إلى الأحياء اليهودية في القدس الجديدة بواسطة الصليب الأحمر.
4 ــ يتعهد الفريق الأول بحماية أرواح جميع اليهود المستسلمين .
5 ــ يحتل الجيش العربي الأحياء اليهودية في القدس القديمة.

بعد هذا النصر المبين الذي حقـَّـقه نشامى الجيش العربي الأردني أدرك القائد التل ورفاقه ضباط وجنود الكتيبة السادسة أنهم أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرَّر لإكمال تحرير كل القدس الشريف بالإستيلاء على القدس الجديدة التي يسكنها اليهود خارج الأسوار ' القدس الغربية ' ، فبدأ يُـعدُّ العُدة للهجوم عليها ، ورغم محاولات قائد الجيش الضابط الإنجليزي كلوب باشا لمنع حدوث ذلك إلا أن نشامى الكتيبة السادسة كانوا مُصرِّين على عدم تضييع تلك الفرصة التاريخية ، ولكن يبدو أن اليهود كانوا من طرفهم يدركون خطورة وضعهم في القدس الجديدة فسارعوا يستنجدون بالإنجليز والأمريكان لإنقاذهم من الخطر الذي يتهدَّدهم في القدس الجديدة ' الغربية ' ، فسارع الإنجليز والأمريكان إلى الإستجابة لليهود فدعوا بشكل مفاجىء وطارىء إلى عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي مساء يوم 29 / 5 / 1948 م أي بعد يوم واحد فقط من إستسلام اليهود في القدس القديمة ' الشرقية ' ، ونجح الإنجليز والأمريكان بتواطؤ الدول الغربية والإتحاد السوفييتي الشيوعي من إتخاذ قرار في مجلس الأمن بفرض هدنة لمدة أربعة أسابيع في فلسطين وتعيين الكونت السويدي برنادوت وسيطاً منتدباً من قبل هيئة الأمم مهمته التوفيق بين العرب واليهود ، ولم يكن بوسع دول الجامعة العربية مواجهة الضغوط البريطانية والأمريكية فوافقوا على القار ، وكانت أولى نتائج هذا القرار إضاعة الفرصة التاريخية على نشامى الجيش العربي الأردني لتحرير كل القدس الشريف بالإستيلاء على القدس الجديدة الذي كان بمثابة تحصيل حاصل ، كما كان من نتائجه إعطاء الوقت للعصابات اليهودية لإعادة تنظيم قواتها وزيادة عددها وجلب المزيد من السلاح والعتاد بشكل ظهر تأثيره لاحقا لصالح اليهود بعد مواصلة القتال بعد إنتهاء أسابيع الهدنة الأربعة ، ويصف القائد عبد الله التل موافقة الجامعة العربية على قرار الهدنة بأن أقل ما يُقال عنه أنه جريمة وخطيئة كبرى منعت الجيش العربي الأردني من إنقاذ كل القدس .
بعد إنتهاء الحرب في فلسطين تفرَّغ قائد الجيش الضابط الإنجليزي كلوب باشا لتصفية حساباته مع القائد عبد الله التل ، فقد كان كلوب طوال الحرب غير راض ٍ عن الإنتصارات التي حقـَّـقها نشامى الكتيبة السادسة بقيادة التل ، وبلغ حقد كلوب على التل مداه بعد نجاح الكتيبة السادسة بقيادته في إنقاذ القدس القديمة من العصابات اليهودية واقترابهم من تحرير القدس الغربية ، وتمكـَّـن كلوب باشا في سياق تصفية حساباته مع عبد الله التل من إقحامه ظلما وافتراءا ً في جريمة إغتيال الملك عبد الله الأول بن الحسين ، وأضاف إليها تهمة التآمر مع السوريين لقلب نظام الحكم ، وعانى التل طوال ستة عشر عاما بسبب هذه الإفتراءات محكوما بالإعدام ومنفيا قسرا إلى مصر ، ولكنه لم يركن إلى الدعة في منفاه القسري في القاهرة فطفق يؤلف الكتب التي خصَّـص معظمها للحديث عن قضية فلسطين وعن الخطر اليهودي على الأمة العربية والإسلامية ومنها كتاب ( كارثة فلسطين- مذكرات عبدالله التل قائد معركة القدس ) ( 1959 م ) ويحتوي الكتاب على مذكـَّـراته وتفاصيل معركة إنقاذ القدس القديمة واستسلام يهودها ، وكتاب ( الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام ) ويتحدَّث عن التغلغل الباكر لليهود في عقول الطبقات السياسية الحاكمة وغيرها من الطبقات في العالم الإسلامي ، وكتاب ( جذور البلاء ) ويتحدَّث فيه عن أصل مشكلة فلسطين ، وكتاب ( خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية ) ، وتمكـَّـن من الحصول على شهادة الماجستير في الآداب من جامعة الأزهر في عام 1956 م .
عاد المجاهد عبد الله اليوسف التل إلى الأردن بعد أن أصدر الملك الراحل الحسين بن طلال قانون العفو العام في 4 / 4 / 1965 م ، وشغل عضوية مجلس الأعيان وانتقل إلى رحمة الله عزَّ وجلَّ يوم الاثنين 13 / 8 / 1973 م .




التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

هموم وقضايا