الإثنين ,20 أكتوبر, 2025 م
الرئيسية فكر وأدب وثقافة الزيارة التي كتبتني .. ياسمين زاهدة

الزيارة التي كتبتني .. ياسمين زاهدة

183

البلقاء اليوم - الزيارة التي كتبتني

باسمين زاهدة

لم أكن أبحث عن شيءٍ حين ذهبتُ إليها، لكنني عدتُ بكثيرٍ لا يُحصى.
زيارةٌ عابرةٌ في ظاهرها؛لكنها في جوهرها عبورٌ إلى عالمٍ آخر...
عالمٍ لم تطأه قدماي،
دخلته روحي، بلا تردّدٍ، ولا مقاومة.

لم أظن يومًا أن لقاءً في هذا العمر قادرٌ على إعادة ترتيب الداخل، دون أن يُغيّر من الظاهر شيئًا.
مضيتُ إليها كما يمضي المرء إلى صديقٍ قديم، فإذا بي أعبر إلى منطقةٍ لا اسم لها ولا وصف،
لكنها تُحَسّ... كما تُحَسّ الطمأنينة عند العودة الأولى إلى الذات.

في حضرتها، خفتت الأصوات، وهدأ ضجيج أفكاري.
كان حديثُنا بسيطًا، هادئًا،
لكن تحته جريانٌ خفيٌّ لشيءٍ أعظم من الكلمات...
كأن الأرواح كانت تتبادل المعنى دون حاجةٍ للسان.

كنا ننوي البقاء ساعةً ونصفًا،
فإذا بالزمن ينكسر معنا، وينحني احترامًا لما لا يُقال.
مضت خمسُ ساعاتٍ لم نُحصِها...
لأننا لم نكن في وقتٍ يُقاس.

حين غادرت، لم أخرج منها بكلي...
شيءٌ منّي بقي هناك،
كأنني تركتُ قلبي في مكانه الطبيعي، ولم أحمله معي من شدّة الاطمئنان.

كنتُ هناك... حيّةً بمعنى لا يُكتب،
منحلّة العقد،
مدهوشةً بوهجٍ لا يُرى.

لحظةٌ لا تُروى،
كأنها توقظ فيك إنسانًا كنت قد نسيته...
أو لعله لم يوجد أصلًا، إلا في حضرتها.

ليست كلّ الزيارات تُخلَّد...
لكن هذه، كانت كأنني التقيتُ بنفسي للمرّة الأولى،
ثم مضيت، وتركتني عندها.

لكنني أعلم أنني خرجتُ من هناك
وقد تغيّر في داخلي شيءٌ لا يُلمَس...
تغيّرٌ يُشبه الترميم،
يُشبه التئامًا صامتًا لا يُرى... إلا من الداخل.

لم تكن زيارةً عاديّة...
كانت وقفةَ وجود.
وكانت — بصدق — من تلك اللحظات التي تكتبك من جديد... دون أن تمسك قلمًا.




التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

هموم وقضايا