الجمعة ,31 أكتوبر, 2025 م
الرئيسية شؤون عربية من هم الجنجويد أو قوات الدعم السريع التي ترتكب مجا .. زر الفاشر؟

من هم الجنجويد أو قوات الدعم السريع التي ترتكب مجا .. زر الفاشر؟

205

البلقاء اليوم - من هم الجنجويد أو قوات الدعم السريع التي ترتكب مجا..زر الفاشر؟
وصف الكاتب السوداني بركة ساكن الجنجويد بلغة رفيعة ودقّة موجعة، فقال:
"قومٌ عليهم ملابس متسخة مشربة بالعرق والأغبرة، يحيطون أنفسهم بالتمائم الكبيرة، لهم شعور كثّة تفوح منها رائحة الصحراء والتشرّد، رضعوا من ثدي الشمس الحارقة، ونشأوا على القتل، لا خُلُق ولا أخلاق لهم. الواحد منهم يطأ أخته وأمَّه، لا حرمة لديه. أوباشٌ أو أضلّ، على أكتافهم بنادق تُطلق النار لأتفه الأسباب، نُزعت من قلوبهم الرحمة، يُكبّرون تكبّرًا لا تأدّبًا، ولا يعرفون معنى للتكبير."
ثم ختم قائلاً:
"إنهم شرٌّ خالص، ليسوا قبيلةً ولا عنصرًا، يُولَد الإنسان خيّرًا، ثم يختار أن يكون إنسانًا... أو جنجويدًا."
كلمة جنجويد مصطلح سوداني مركّب من مقطعين: «جن» بمعنى جنيّ، ويقصد بها أن هذا الجني (الرجل) يحمل مدفعا رشاشا من نوع «جيم 3» المنتشر في دارفور بكثرة، و«جويد» ومعناها الجواد. ومعنى الكلمة بالتالي هو: الرجل الذي يركب جوادا ويحمل مدفعاً رشاشا.
في مطلع التسعينيات، تحديدًا سنة 1991، اندلع تمرّد مسلّح في دارفور نتيجة السياسة العنصرية التي انتهجها الطاغية عمر البشير ضد القبائل غير العربية. تكبّد الجيش السوداني هزائم فادحة، إذ لم يكن مؤهلاً لخوض حرب العصابات، ووجدت الحكومة نفسها في وضع استراتيجي حرج، خاصة بعد الهزيمة في الفاشر .
وردّ البشير حينها باستخدام نفس اسلوب المتمردين ، و ذلك بتسليح ميليشيات عربية محلية من البدو والرعاة، لا سيّما من قبيلة البقارة ، لمساندة الجيش في مواجهة المتمرّدين. ومن تلك المجموعات تشكّلت نواة ما عُرف لاحقًا باسم الجنجويد .
منذ عام 2003، ارتكبت هذه الميليشيات فظائع مروّعة بحق المدنيين الأفارقة: قتل جماعي، واغتصا..ب واسع النطاق، وتهجير مئات الآلاف من السكان. وقد وُجّهت اتهامات بالإبادة الجماعية إلى كبار المسؤولين السودانيين، وعلى رأسهم الرئيس عمر البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية.
خلال الحرب، استولت الجنجويد على جبل عامر الغني بالذهب، وجعلت منه مصدر تمويل ذاتي، ما منحها استقلالًا ماليًا ونفوذًا متعاظمًا. وكان زعيمها السابق موسى هلال يحقق أرباحًا سنوية تقارب 54 مليون دولار من مناجم الجبل، بحسب تقرير أممي سرّي صدر عام 2016. وبفضل تلك الثروة، صار هلال الحاكم غير المعلن لدارفور، يفرض الضرائب على المناجم والقوافل.
كانت الجنجويد تصدّر الذهب السوداني عبر قنوات غير رسمية إلى الخارج، وخصوصًا إلى الإمارات ، التي كانت تستحوذ على نحو 90% من الذهب السوداني المهرّب ، مقابل تمويل هذه الميليشيا بالأسلحة والأموال السخية لقادتها، وفي مقدمتهم موسى هلال و محمد حمدان دقلو (حميدتي) .
ترك البشير هذه الميليشيا لتستفيد من الذهب وتبطش كما تشاء في سبيل تثبيت حكمه، ثم حاول لاحقًا إضفاء صبغة رسمية عليها، فحوّلها عام 2013 إلى قوة نظامية باسم قوات الدعم السريع ، وأسند قيادتها إلى حميدتي ، وهو أحد أفراد الجنجويد، راعي إبل سابق وابن عم موسى هلال من قبيلة المحاميد . وبعدها تم اعتقال موسى هلال وإقصاؤه.
ورغم تبعيتها الاسمية للبشير، فإن «قوات الدعم السريع» احتفظت بولائها لحميدتي، وتحولت إلى قوة ضخمة تمتلك تسليحًا وتمويلًا هائلين من تهريب الذهب، وأصبحت تمارس نفوذًا واسعًا داخل الدولة السودانية.
لقد منحت سيطرة حميدتي على جبل عامر موارد هائلة جعلت منه أغنى رجل في السودان، وفتحت أمامه باب التحالف مع الإمارات ، الوجهة الأولى لتصدير الذهب السوداني ، حميدتي أصبح يسعى للسلطة مقابل تنفيذ اجندة امراتية و التماهي مع سياستها الخارجية ...
بعد سقوط البشير سنة 2019، دخلت قوات الدعم السريع في صراع مع الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان ، وفي أكتوبر 2021 تحالف الرجلان مؤقتًا للإطاحة بالحكومة المدنية بقيادة عبد الله حمدوك . لكن ذلك التحالف لم يدم طويلًا، إذ ازداد تقارب حميدتي مع الإمارات، فانفجر الوضع في أبريل 2023 إلى حرب أهلية شاملة .
وخلالها عادت مشاهد الجنجويد القديمة من نهبٍ واغتصا..بٍ وقتلٍ وتجويعٍ، كما يحدث اليوم في الفاشر.
وهكذا، يبقى الشعب السوداني — وحده — الخاسر الأكبر من كل هذا الخراب.




التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

هموم وقضايا