الخميس ,25 ديسمبر, 2025 م
الرئيسية موقف البلقاء اليوم الدكتور محمد بزبز الحياري .. يكتب .. التمرين الأول… الأحزاب: ما عليها وما عليها

الدكتور محمد بزبز الحياري .. يكتب .. التمرين الأول… الأحزاب: ما عليها وما عليها

37

البلقاء اليوم - الدكتور محمد بزبز الحياري

التمرين الأول…
الأحزاب: ما عليها وما عليها

توطئة:
_ ما سيرد أدناه ينطبق على معظم الأحزاب، باستثناء حزب واحد… أو لِنَقول حزب ونصف ليس أكثر.
_ قبل كتابة هذا المقال، تم استمزاج آراء أكثر من خمسين شخصية منخرطة و مختصة بالعمل السياسي، من ذكور وإناث، ومن مختلف الأعمار، ومن تيارات حزبية وغير حزبية ونيابية، وبمستويات علمية وثقافية ومهنية متعددة، شغل بعضهم مواقع مسؤولية متقدمة، بالاضافةللخبرة الشخصية لكاتب المقال كعضو مؤسس في أحد الأحزاب، وعضو مكتب سياسي سابق، ومقرر له.
_ سبق لكاتب هذه السطور أن نشر مقالين حول الموضوع ذاته؛ الأول عقب إقرار التعديلات الدستورية بعنوان «هجمة مرتدة»، والثاني قبل انتخابات 2024 بعنوان «التمرين الأول»، ويأتي هذا المقال استكمالًا لهما.

عودٌ على بدء…
الاحزاب ما عليها وما عليها.

والأصل أن نقول ما لها وما عليها، غير أنّ ما أفرزته التجربة العملية يدفعنا، وبشيء من المرارة، إلى القول: ما عليها… وما عليها.
فبعد عامٍ ونيف على خوض الأحزاب وما اسمّيناه بالتمرين الأول (الانتخابات)، وبعد ما يقارب أربعة أعوام من تهيئة الأرضية السياسية والدستورية، وإطلاق الحياة الحزبية بحلتها الجديدة استنادًا إلى التعديلات الدستورية المنبثقة من الرؤى الملكية التقدمية، ومع توفير السياق الدستوري والسياسي اللازم، وإفساح المجال للأحزاب لممارسة كامل قواعد الاشتباك بينها وبين بعضها، وبينها وبين السلطات، وبينها وبين المجتمع… فإنّ النتائج المتحصلة حتى تاريخه جاءت مخيّبة للآمال، ودون مستوى الطموحات.
وبنظرة موضوعية، وبأسئلة تُطرح على بساط الوعي والمكاشفة المسؤولة ووقوفا على ما آلت اليه الأحزاب، نجد أنّ الحكم والتحكيم لا يكون إلا على الأحزاب نفسها… ثم عليها وعليها.
لقد تساوى السرّ بالعلن بالحديث عن المسار الذي انتهجته الأحزاب ومن قبل التمرين الأول وحتى اليوم. وأصبح توصيف هذا المسار حديثًا عامًا متداولًا وأقرب للدعابة والطرافة، بعد أن تبيّن أن غالبية الأحزاب قد أعادت إنتاج نفسها كمجموعات نخبوية معزولة، منفصلة عن الواقع الشعبي، وفاقدة لأدنى جسور التواصل الفعلي مع المجتمع.
لم تنجح هذه الأحزاب في ردم الفجوة التاريخية، ولا في كسر النظرة النمطية السائدة تجاه العمل الحزبي. وينطبق هذا الإخفاق حتى على علاقتها بهيئاتها العامة؛ إذ تبدو هذه الهيئات، في كثير من الأحيان، مجرد أرقام مسجلة في سجلات الأحزاب والهيئة المستقلة للانتخاب، لاستكمال شروط التأسيس والاعتماد، لا أكثر.
فالمسارات التنظيمية داخل الأحزاب ضبابية، مغلقة صعودًا ونزولًا، بلا إشارات إرشادية واضحة، لا في علاقتها بالشارع ولا بهيئاتها العامة. وأجزم ان أي حزب أو تآلف احزاب – مع الاستثناء المذكور آنفًا – لن يتمكن من حشد لاجتماع لهيئته العامة، (ناهيك عن الشارع)، يضم ألفي شخص، أو ألفًا، أو حتى خمسمئة، لا بل ثلاثمئة عضو فاعل أو غير فاعل.
ورغم التسهيلات، والإعفاءات، وأشكال الدعم المادي والمعنوي، والتصفيق التشجيعي، لم تنفذ الأحزاب إلى وجدان المجتمع، ولم تخترق دائرة الممكن والمتاح، ولم تنجح في كسر الحاجز النفسي القائم بينها وبين الناس. بل إنّ كثيرًا منها لم يكن مقنعًا حتى في سرد “قصة الحزب” وفكره وبرامجه داخل ديوان أو مضافة، فكيف بالاستقطاب الشعبي، أو تنفيذ البرامج على أرض الواقع؟
وهكذا بقيت هذه الأحزاب منعزلة، تكرّس عزلتها تدريجيًا، وتحافظ على طابعها النخبوي الذي وُلدت من رحمه، وتحوّل هذا الطابع إلى سمة بنيوية متجذرة. فبدت أحزابًا خداجًا، غير مؤهلة بعد للتعايش مع تفاصيل حياة الناس اليومية ومعاناتهم.
أما البرامج والشعارات، فهي في معظمها مستنسخة، تدور في فلك واحد: وطنية، ديمقراطية، نمو اقتصادي… دون ترجمة عملية وحقيقية. وغالبًا ما يُستخدم هذا الخطاب كشكل من أشكال التحصين والتستر وإضفاء هالة بلاغية سرعان ما تتلاشى بعد التصفيق، والتقاط الصور، وتعميم الخبر على الصحف والمواقع.
وعندما وُضعت هذه (البرامج) على محك الانتخابات، لم تجد آذانًا صاغية، لهلاميتها من جهة، ولوعي المواطن بحدود الجدية وإمكانات التطبيق من جهة أخرى. وأستحضر هنا واقعة في إحدى المناظرات، حين وجهت سؤالًا مباشرًا لثلاثة أمناء عامين تنافسوا في البلاغة ( أراني ٱكرر كلمة البلاغة) حول برامجهم الاقتصادية، وسألتهم عن الهامش الواقعي المتاح لهم لتطبيق هذه البرامج في حال وصولهم إلى السلطة، وما الذي سيختلف عمّا هو قائم الآن… فجاء التهرب جماعيًا من الإجابة المباشرة.
هذه الإشارات كانت واضحة للأحزاب قبيل الانتخابات، فأدركت محدودية خطابها، وعندها تسللت مجددًا إلى العباءة العشائرية بوصفها ضرورة يفرضها الواقع، وأكثر قدرة على الإقناع من شعارات لم تلامس هموم الناس.
أما قصة تفرد وهيمنة الشخص الواحد – وغالبًا ما يكون هو الممول – على الحزب وقراراته، فهي حكاية أخرى، ساهمت في تكريس الصورة النمطية عن سطوة المال، وإذعان النخب المثقفة لها. حتى باتت الأحزاب تُعرف بأسماء أمنائها العامين: هذا حزب فلان، وذاك حزب علان، اما قصة أداؤها بمجلس النواب فيضيق المقام عن ذكره هنا وسيتم إفراد مقال آخر له.

اليوم، وبعد أكثر من عام على التمرين الأول، وباستشراف المدى القصير والمتوسط، تبدو الأحزاب في طريقها إلى تكريس حزبية ديكورية، وممارسة شكلية للديمقراطية، تكتفي بالقشور وتغفل الجوهر، وتنظر إلى الأسفل فقط عند الانتخابات، ثم ترفع بصرها جانبًا والى الأعلى عند تقاسم الكعكة.
وانطلاقًا من ذلك، أقترح عقد مؤتمر وطني، ترعاه وزارة التنمية السياسية، وبمشاركة جميع الأحزاب والهيئة المستقلة للانتخاب، لتقييم أداء الأحزاب ونهجها ومسارها بجرأة ومسؤولية.
ملاحظات:
_ اثنان من الأمناء العامين لأحزاب قائمة أقرّوا بعدم وجود حياة حزبية حقيقية في الأردن، وبغياب مؤشرات التقدم في هذا المجال.
_ أحد رؤساء الوزراء السابقين عبّر، في ما يشبه “الخطأ المقصود”، عن إحباطه من مسار التحديث السياسي، قبل أن يتراجع مباشرة بعد أن اوصل الرسالة، وتم حذف ما قاله من التسجيل.
_ قد يكون الشارع شريكًا في تكريس هذا الواقع، لكن المسؤولية النهائية تبقى مسؤولية الأحزاب، في قدرتها على كسر الجمود وإقناع الناس وذلك عبر نتائج ملموسة.




التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

هموم وقضايا