البلقاء اليوم - يجادل كل من هنري فاريل وأبراهام نيومان (في مقالتهما المهمّة في مجلة Foreign Affairs، العدد 104، نوفمبر/ تشرين الثاني 2025) بأنّ هناك تحوّلاً جوهرياً في طبيعة العلاقات الدولية، وأنّ مصطلح "الاقتصاد العالمي المسلّح" يسم المرحلة الحالية، بخاصة في الحقبة الترامبية، إذ أصبحت العلاقات الدولية تدور حول ما يطلق عليها "نقاط الضعف" أو الإكراه، مثل خطوط الإمداد والتكنولوجيا والعقوبات الاقتصادية والمالية والقيود على التصدير وغيرها مما أصبحت عنواناً رئيساً اليوم في علاقة الإدارة الأميركية بالصين (بدرجة رئيسة)، وبحلفائها وأصدقائها أيضاً بصورة مماثلة. يصل آدم س. بوسن إلى نتيجة أكثر حسماً في مقالته "الجغرافيا الاقتصادية الجديدة" (في المجلة نفسها، وفي العدد نفسه)، إذ يعلن نهاية النظام الاقتصادي الدولي الذي أسّسته الولايات المتحدة، وشكّل ضمانةً ماليةً واقتصاديةً، يشبّك علاقات التحالف الاقتصادي - السياسي بين أميركا وحلفائها، خلال ما يقارب ثمانية عقود.
يتضمّن العدد المذكور من "Foreign Affairs" مقالات عديدة تعزّز ما ذهبت إليه المقالتان السابقتان، والأطروحة الرئيسة فيهما أنّ سياسات إدارة ترامب تقضي على ما تبقّى من النظام السابق، من خلال المنظور قصير المدى الذي يفضّل المصالح الآنية، ليس في الصراع الاقتصادي مع الصين فحسب، بل أيضاً حتّى التضييق والمنافسة مع الحلفاء الأقرب والأبعد عن الإدارة الأميركية، مثل كندا وأستراليا والفيليبين وأوروبا واليابان. وبالتالي؛ تنهي عقوداً كانت فيها الولايات المتحدة بمثابة شركة التأمين الضامنة للنظام الاقتصادي والمالي العالمي، ما يجعل ليس الخصوم (مثل الصين) فحسب يطوّرون قدراتهم لمواجهة العقوبات والإجراءات الأميركية، بل حتّى الحلفاء المُتضرِّرون من السياسة الأميركية، مثل دولٍ في أوروبا، ودول أخرى تفكّر في بدائل وخيارات أخرى، طالما أنّ المنافع الاقتصادية المتبادلة، التي تشكّلت مع الإدارة الأميركية عقوداً طويلة، أصبحت ذات كلفة اقتصادية كبيرة على هذه الدول.
كانت الإدارة الأميركية، في مرحلة الحرب الباردة، مضطرة للتعامل مع عدوٍّ واحدٍ وردع دولةٍ أو حلفٍ في موضوع الأسلحة النووية، وكانت العلاقات الدولية والتفاعل بين الدول منضبطَين ضمن قواعد هذه اللعبة. أمّا اليوم، فمفهوم الردع تغيّر، نتيجةً لتطور الصناعات الجديدة والتحولات التكنولوجية الضخمة في العالم، وأصبحت الأسلحة الاقتصادية أكثر تعقيداً في صوغ العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها وخصومها على السواء، لعدم قدرة دولة واحدة على الاكتفاء الذاتي في ما تسمّى "نقاط الاختناق" (Chokepoints)، ما فرض تمازجاً كبيراً بين التبادل التجاري ومسألة الأمن القومي بصورة كاملة. وقد نحت كلٌّ من هنري فاريل وأبراهام نيومان مصطلح "عصر الاعتماد المسلّح". ولكن (وفقاً للكاتبَين) ثمّة مَن وصف هذا التطوّر في الاقتصادات الدولية في العصر الراهن حول العالم بـ"المسطّح"، كما كان يبشّر دعاة العولمة الاقتصادية، وفي مقدّمتهم توماس فريدمان، في كتابه الشهير "العالم مسطّح".
صحيح أنّ مقالات ودراسات وأطروحات سابقة بشّرت بتحوّل العلاقات الدولية نحو الصراعات الاقتصادية المباشرة، مثلما هو كتاب لستر ثارو "Head to Head" (تُرجم في سلسلة عالم المعرفة في الكويت بعنوان "الصراع على القمّة") في 1992، ولاحقاً كتاب كريس ميلر "حرب الرقائق" (Chip Wars) في 2022. إلّا أنّ عدد الشهر الجاري من مجلة الشؤون الخارجية يطوّر هذه الأطروحات، ويضعها ضمن السياقات الحالية للمنعطف الذي تمرّ به العلاقات الدولية مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي لم تؤدِّ بالضرورة إلى هذه التطوّرات والتحوّلات والحروب التجارية العالمية الجديدة، لكنّها بسياساتها تُسرّع ولوج العصر الجديد الذي، وفقاً لآدم س. بوسن، ينهي تماماً الهيمنة الاقتصادية والسياسية الأميركية.
من الضروري أن نستذكر أنّ أحد المنظّرين السياسيين البارزين في العلاقات الدولية، باري بوزان، كان قد توقّع أنّ عصر أحادية القوة انتهى، إذ جعلت الثورة التكنولوجية الاحتكار التقليدي للقوة صعباً، وجعلتها أكثر تشظّياً وتوزيعاً.
في الخلاصة؛ مثل هذه الأطروحات المرتبطة بالسياقات الراهنة من التحولات الدولية وما تتبنّاه من نظريات جديدة في العلاقات الدولية، جديرة بأن تؤخذ بالاعتبار، وبأن تقرأ بعناية من الباحثين والسياسيين العرب على السواء، حتى لا نبقى محكومين في عقولنا وأفكارنا ومعارفنا بحقبة في طور الأفول، وندرّسه لطلّابنا، وحتى يرى السياسيون المرحلة المُقبلة بصورة أكثر عمقاً، ووضوحاً، وأبعد مدى.
-
-
-
بالصور .. في دمشق .. استعدادات أميركية لبناء قاعدة جوية
قالت 6 مصادر مطلعة لرويترز إن الولايات المتحدة... -
نيويورك تايمز: كيف تحوّلت انتخابات عمدة نيويورك إلى استفتاء حول الشرق الأوسط؟
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن انتخابات عمدة... -
واشنطن تطرح رسمياً مشروع قرار بشأن غزة على مجلس الأمن الدولي
وزعت الولايات المتحدة بشكل رسمي مشروع قرار على... -
“حزب الله” يُحذر من استدراج لبنان وإيقاعه في فخ “التفاوض السياسي” مع إسرائيل ويؤكد حقه في مقاومة الاحتلال
أعلن حزب الله الخميس رفضه أن يستدرج” لبنان الى... -
مصير مجهول لآلاف المحاصرين بالفاشر السودانية .. تفاصيل
وصل آلاف قليلة من السودانيين إلى أقرب مخيم... -
لماذا دارفور وما هو السر الذي يحيط ملف دارفور .. ؟؟
لماذا دار فور وما هو السر الذي يحيط ملف دار فور...
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع