الأربعاء ,22 أكتوبر, 2025 م
الرئيسية شؤون عربية لبنان تحت النار .. الانفجار بات قريبًا و«الحزب» على مفترق المصير

لبنان تحت النار .. الانفجار بات قريبًا و«الحزب» على مفترق المصير

16

البلقاء اليوم - يقف لبنان اليوم على حافة الانفجار السياسي والأمني، في لحظة تاريخية مفصلية تهدد وجوده الوطني.

الدولة تبدو شبه غائبة، عاجزة عن إدارة أزماتها المستعصية، غير قادرة على رسم مسار واضح للخروج من دوامة الانهيار، في حين تتكثف الضغوط الإقليمية والدولية وتتجمد المفاوضات بين بيروت وتل أبيب. هذا الانسداد لم يعد مجرد مأزق دبلوماسي عابر، بل مؤشراً صارخاً لاحتمال تحوّل التوتر القائم إلى مواجهة مفتوحة، وسط تراجع ملحوظ لقدرة القوى الكبرى على ممارسة أي ضبط فعلي للميدان.

لبنان اليوم وحيد، مجبر على لعب دور التابع في لعبة إقليمية معقدة لا يمتلك فيها أي أدوات حقيقية للقرار.

التطورات التكنولوجية والاستخباراتية قلبت قواعد اللعبة
في قلب هذا المشهد المتفجر، يقف حزب الله كفاعل محوري، مقدماً نفسه كدرع للسيادة الوطنية وضمانة للردع،إلا أن الخطاب الإعلامي والسياسي الذي يروّج لهذه القوة لا يعكس بدقة الواقع الفعلي. التطورات التكنولوجية والاستخباراتية قلبت قواعد اللعبة فلم تعد الساحات مجرد خنادق أو مناطق ظل بل فضاءات مكشوفة تُرصد فيها كل حركة ويُحدد فيها كل هدف بدقة استثنائية، ما يضع الحزب أمام اختبار وجودي صارم هل يمتلك القدرة الحقيقية على خوض معركة وفق شروطه، أم أنه وقع أسيراً لصورة القوة التي يغذيها خطاب التعبئة الإعلامي والسياسي؟

الخطورة ليست عسكرية فحسب فقد أحدث خطاب التعبئة الطائفية والسياسية المستمر منذ سنوات أثرًا مدمرًا على المجتمع اللبناني حيث استُهدفت المكونات الأخرى من سنّة ومسيحيين، وتعرّضت رئاسة الحكومة الحالية وحلفاؤها لهجمات مستمرة، مع حملات تخوين ممنهجة لكل من يخالف الحزب، ما أدى إلى تآكل شبه كامل لمساحات الثقة بين الطوائف وتعميق المخاوف المتبادلة.

اليوم، مع احتمال نزوح جماعي جديد، تتحوّل هذه المخاوف إلى جدار اجتماعي صارم فالمجتمعات غير الشيعية ترفض استقبال النازحين، خشية أن تتحول مناطقها إلى أهداف محتملة، في حين يشعر المكوّن الشيعي بالعزلة والخطر، ما يكرّس اعتماداً شبه مطلق على حزب الله ليس كخيار سياسي بل كملاذ وحيد للبقاء.

في هذا الإطار، يظهر الرئيس نواف سلام كرجل دولة ذو رؤية استراتيجية، يسعى إلى إعادة ترتيب المشهد وإحباط الانزلاق إلى الفوضى فمنذ توليه رئاسة الحكومة في شباط ٢٠٢٥، أطلق خطة درع الوطن الهادفة إلى جمع كل الأسلحة غير الشرعية تحت سلطة الدولة بما فيها أسلحة حزب الله، مؤكدًا أن القرار السيادي لا يتجزأ وأن أي تحدٍ سيواجه بحزم وصرامة.

هذه المبادرة وضعت سلام في مرمى استهداف مباشر من الحزب الذي اعتبرها تهديداً وجودياً لكينونته، لكنها تمثل في الوقت ذاته تجسيداً للسيادة الوطنية واستعادة الدولة.
رغم كل الضغوط واصل سلام تعزيز شرعية الدولة عبر تحالفه الاستراتيجي مع المجتمع الدولي، بما في ذلك دعم بقيمة ٢٣٠ مليون دولار للجيش اللبناني من الولايات المتحدة، لتسهيل تنفيذ خطة نزع السلاح،هذا الدعم لا يقتصر على كونه مساعدة مالية، بل هو إعلان عالمي واضح عن التزام القوى الكبرى بمساندة لبنان لاستعادة سيادته وحماية مؤسساته من الانهيار.

هذه المبادرة وضعت سلام في مرمى استهداف مباشر من الحزب الذي اعتبرها تهديداً وجودياً لكينونته، لكنها تمثل في الوقت ذاته تجسيداً للسيادة
على المقلب الاخر فإن الواقع الاجتماعي يعكس الانفصام العميق في النسيج الوطني تحت وطأة الصراعات المتصاعدة.

في بعلبك والجنوب والبقاع، حيث امتزجت الطوائف بروابط اقتصادية واجتماعية متشابكة يزداد الانكماش الطائفي والخوف المتبادل مع كل تصعيد، فيما تتسارع موجات النزوح الداخلي، خاصة للفئات الشيعية الأكثر عرضة للاستهداف الإسرائيلي، بينما يزداد القلق من رفض المجتمع المضيف.

هذا الرفض الاجتماعي المرتبط بالخوف والتعبئة الطائفية والسياسية، يفاقم الانقسامات ويهدد صمود التعايش الذي شكّل لعقود حجر الزاوية للهوية اللبنانية.

كما ان المؤسسات التعليمية ومنظمات المجتمع المدني قد تتباطأ أو تتوقف عن برامجها خشية أن تتحول مساراتها إلى أدوات للمراقبة، في حين تنهار الخدمات الأساسية تحت وطأة الخوف والعزلة.

في بعض المناطق، يصبح الاعتماد على حزب الله ضرورة ملحّة، ليس عن قناعة
في بعض المناطق، يصبح الاعتماد على حزب الله ضرورة ملحّة، ليس عن قناعة بقدرته على الحماية بل لغياب البدائل ومخاطر الخيارات الأخرى، ما يكرّس دائرة من الانقسام الاجتماعي والسياسي والاعتماد على خطاب القوة.

على الصعيد الإقليمي، أي خيار عسكري محلي أصبح رهينًا لتقديرات ميدانية وإقليمية متشابكة فأي اختبار للردع أو استعراض القوة قد يتحوّل إلى مضيعة للموارد إذا فقدت الجماعات الحاضنة ثقتها بالشعب، إذ أن الخسارة الاجتماعية والسياسية قد تكون أثقل أثرًا من أي هزيمة ميدانية محدودة لذا ف إن أي مواجهة واسعة النطاق لن تكون مجرد معركة عسكرية، بل اختبارًا وجوديًا للمجتمع اللبناني بأكمله، لقدراته على الصمود والتحمل ولتماسك نسيجه الاجتماعي، بما في ذلك الحفاظ على رصيده الحضاري والثقافي.

يبقى السؤال المؤلم هل منطق الردع المبني على السلاح والاختبارات العسكرية يستحق أن يُبنى عليه مصير وطن كامل؟
إذا كانت الإجابة نعم، فلتتحمل الأطراف نتائج رهاناتها، أما إذا كانت لا، فما يزال أمام اللبنانيين فرصة لإعادة ترتيب أولوياتهم قبل أن يفقد لبنان ما لا يُعوّض من نسيجه الاجتماعي وهويته الوطنية.

في هذا الإطار، تمثل قدرة نواف سلام على مواجهة حزب الله واستعادة سلطة الدولة، بالتوازي مع الدعم الدولي، الشرط الأساسي لإنقاذ لبنان من الانزلاق النهائي نحو الانفجار الشامل، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.

يتطلب الواقع فصل لغة الاستعراض الإعلامي عن إدارة الأمن القومي بمسؤولية، إعادة بناء منظومة حماية مدنية قوية تشمل ممرات آمنة وخطط إغاثة للنزوح، وتحميل المجتمع الدولي مسؤولياته بالضغط على جميع الأطراف لاحتواء التصعيد قبل أن يخرج عن السيطرة.

لبنان اليوم أمام مفترق طرق حاسم إما الاستمرار في دوامة الانقسامات، التعبئة الطائفية، والرفض الاجتماعي، أو استعادة الدولة، تعزيز سيادتها، وحماية مجتمعاتها من الانهيار قبل فوات الأوان.




التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

هموم وقضايا