الثلاثاء ,14 مايو, 2024 م
الرئيسية موقف البلقاء اليوم العرائض لا تسقط حكومة لم ينته أجلها

العرائض لا تسقط حكومة لم ينته أجلها

1513

البلقاء اليوم - 0211bd1e1a87e68de07b50c64aa5a1f766f1c10e-490x336     البلقاء اليوم -السلط أغرب ما يحدث في البرلمانات الاردنية حراكات ذات طابع دستوري، ولكنها ابعد ما تكون عن الدساتير العصرية والديمقراطية، حتى ان الدستور الاردني الذي يمنح حق طرح الثقة بالحكومات واستجوابها ومراقبتها لا يعترف بحق النواب توقيع عرائض تهديد سرعان ما يتنصل منها موقعوها وتنتهي الزوبعة في نفس الفنجان وعند حد الاتصالات الهاتفية بزعامات العرائض لتطييب الخواطر واقفال الملف. قد يكون البرلمان الاردني حالة فريدة بين البرلمانات لانه يقوم على التسويات لا الاستجابات وتنفيذ المطالب، ولأنه يعمل تحت الدستور والسقوف المتاحة بدرجات، ولا يطبق المبادئ والمواد الدستورية التي تخول البرلمان القيام بواجبه في الحد الادنى من الديمقراطية القائمة التي توفرت على قدر احتجاج الاردنيين ومطالباتهم واستعدادهم لمواجهة هراوة الحكومات لا أكثر ولا أقل، فما يتوفر الان في الاردن من حريات وديمقراطية هو أكثر بكثير مما يستحق حراك الشارع الاردني الذي بدأ وانتهى دون أن يملك برنامجا سياسيا على اي صعيد كان، ومما يجب ان يشار اليه دائما هو أن الحريات التي تتاح احيانا وتتوسع دائرتها او تضيق لم تكن في واقع الامر حصيلة ثورات او حتى مجرد احتجاجات وانما هبات قدمتها الحكومات في صيغ من التعليمات وليس التشريعات وقد اعطيت – ولم تؤخذ – على شكل قوالب من احجام مختلفة ومواصفات متعددة، فالسقف قد يتيح احيانا مهاجمة الحكومات والتشجيع على اسقاطها او على الأقل تقزيمها بين الناس، بينما لا يكون مسموحا في نفس الوقت انتقاد البرلمان فكيف بالمطالبة بحله والخلاص منه، هي تعليمات اذن تستخدم وفق الحاجة وتطبق في اطر معينة وقد لا تنطبق على بعضهم مثلما تنطبق على بعضهم الآخر. الصحافة واجهت نفس المصير في بداياتها الديمقراطية مطلع التسعينيات وحتى أواخرها، فالحكومات سمحت احيانا بهامش من الحريات الصحافية ثم منعت هذه الحريات بلا سبب ولا مناسبة، وقيل في زمن تقلب الأمزجة والوجوه على السلطة التنفيذية في الاردن ان حرية الصحافة ترتبط بمزاج الاشخاص وليس بظروف أو مصالح مرحلية تفرض نفسها، ورغم ان هذه الظاهرة انتهت اليوم لتحل بدلا عنها سياسات مختلفة بدأت بسياسة الاسترضاء وشراء الذمم وانتهت بالتهديد والوعيد وقطع الارزاق، الا ان ما يحدث في مجلس النواب اليوم يبرهن بما لا يترك مجالا للشك ان الحكومات لم تتنازل عن استراتيجية الاسترضاء من حيث المبدأ تليها سياسة التلويح بسحب الامتيازات، اي سياسة التهديد التي مورست ضد الصحافة ومن نتائجها زج عشرات الصحافيين في السجون والنظارات وملاحقتهم بالمحاكمات وبعضهم جرى تلفيق التهم لهم وكل حسب حجمه ومقاسه ومستوى حضوره وتأثيره. الحكومة لا تلاحق النواب بنفس التهديد ولكنها تلجأ الى خيارات أخرى منها تطنيش المطالب والتنصل من اجابة الأسئلة ومحاولة تهميشهم وتجاوز دورهم، وكل ذلك يصب في الهدف الاخطر وهو سحب الثقة من النواب ودفعهم الى حافة اليأس من امكانية كبح الحكومات واخضاعها للرقابة ومنع تهورها في بعض الحالات، والحكومات بتهميشها النواب تسعى الى العمل بمعزل عن اي دور لمجلس النواب او الصحافة الامر الذي يؤدي غالبا الى التفرد باصدار قرارات غير شعبية فيبدو الامر وكأن القرارات اتخذت بمباركة النواب وموافقتهم وبتواطؤ من الصحافة، وهذا ما لا يحدث في الواقع، فالنواب ما زالوا – بعد أكثر من عشرين سنة على استئناف الحياة الديمقراطية – غافلين عن حقائق كثيرة تخص صلاحياتهم فتستغل الحكومات هذا الجهل بالدستور لتتخذ ما تشاء من القرارات بينما تتحمل المجالس النيابية التبعات امام الشعب فينهال بالنقد والتجريح على نوابه لدرجة الازدراء وانعدام الثقة والمصداقية. ان أغرب ما يحدث في الاردن على صعيد العلاقة بين الحكومات ومجالس النواب حقيقة ان الحكومات هي التي تمنح الثقة لمجالس النواب وليس العكس..! يكتشف النواب غالبا لعبة الحكومة في وقت متأخر وبعد ان تقع فأس القرارات السيئة في رأس الشعب الذي يلقي باللائمة على مجلس النواب في كل الاحوال لايمانه بأنه تنازل عن صلاحياته او انه تساهل في تمرير مثل هذه القرارات غير الشعبية، فما الذي يفعله النواب يا ترى بعد ان يكتشفوا ان الحكومة خدعتهم او تجاهلتهم والبستهم بعد ذلك مسؤولية قرارات لم يستشاروا بشأنها؟ ما يفعله النواب عادة للانتقام مجرد اجراءات ساذجة لا تنم عن عمل مؤسسي ديمقراطي او دستوري، فبدلا من وقف القرارات او منع اتخاذها او يكون البديل طرح الثقة بالحكومة واسقاطها فعلا، يلجأون الى خيار التلويح بالعرائض وتهديد الحكومة بها، وهو خيار الضعفاء لانه لا ينم عن جدية ولا تصميم خاصة عندما تبدأ الانسحابات ولعق التواقيع بعد أن يقترب العدد من الخط الأحمر الذي يعتقد النواب – لسذاجة اغلبهم – ان تجاوزه ممنوع والا بدأ شبح الحل يلاحقهم، فما من عريضة انتهت الى نتيجة حاسمة الا بالتشاور مع جهة ما دفعت من اجل الوصول بها الى هذه النهاية، اي ان النواب في الحقيقة ينتظرون التعليمات حتى في شأن يخص انتقامهم من الحكومة عندما تجاهلتهم او حتى اهانتهم بتطنيش ارادتهم على اعتبارهم ممثلين للشعب. لقد وصلت العرائض في حالتين الى نتيجة حاسمة في عصرنا الحديث، مرة عندما ارادت جهة ما اسقاط حكومة طاهر المصري، ومرة أخرى عندما ارادت جهة أخرى اسقاط حكومة د.معروف البخيت، وفي الحالتين صيغت العريضة خارج المجلس ثم جيء بها للتوقيع من النواب لترفع بعد ذلك الى جلالة الملك فاستجاب لطلب ممثلي الشعب في قرار ديمقراطي رحبت به العامة والنخب على حد سواء، اي ان الذين يسقطون الحكومات في كل الاحوال هم انفسهم الذي يختارونها وليس الذين يمنحونها الثقة والشرعية وهؤلاء يجتمعون فيما تعرف بمؤسسة الحكم بأدواتها الرئيسية وهي الديوان الملكي ودائرة المخابرات واللوبي الاقتصادي المتنفذ، مع الأخذ بعين الاعتبار انه عندما تكون المجالس النيابية هدفا للحل يصار عندئذ لتدبير الامر عن طريق الحكومة مع أن هذا الخيار فقد قيمته وتراجع بعد ان اصبح مصير الحكومات- وفق التعديلات الدستورية – مرتبطا ببقاء مجلس النواب. تدبر عملية اسقاط الحكومة غير المرغوبة من خطوة أولية تكررت عدة مرات خلال رحلة التنقل بين الحكومات غير الشعبية، مع تأكيدنا ان الحكومات دائما يجب الا تكون شعبية، بل ثمة ما يؤكد ان شعبية الحكومات – إن ظهرت في اي وقت او لأي سبب كان – تكون مبررا لرحيلها بتدبير من الحاشية، هذه الخطوة تبدأ بدفع الحكومة بادئ الامر لارتكاب الخطأ او اجبارها عليه، وغالبا ما يكون الخطأ قرارا غير شعبي حتى يكون للفزعة معناها، ثم بتدبير عملية الاعتراض على القرار في مجلس النواب لإضفاء الأهمية على الخطأ الجسيم وتكبيره في اذهان الناس وخلق المأزق الذي يقتضي التدخل Intervention، ثم يبرز دور عامل تشجيع الحكومات للاصرار على رأيها والتمسك بقرارها الخاطئ بالنظر الى (أهميته) الاقتصادية او الاستراتيجية، فتقع الحكومة في الفخ، او انها تقبل بمصيرها على مضض لانه ما من خيار آخر امامها، اي انها – وفقا لمنهج الدولة الاردني – تقع في سوء اعمالها فتحين عندئذ لحظة التدخل لانقاذ الموقف والخروج من المأزق، اي ان النواب عمليا لا يسقطون حكومة، كما انهم لا يمنحونها الثقة، فالثقة تأتي مع الحكومة قبل تشكيلها، لأن الجهات التي تختار الحكومات هي التي تضمن الثقة لها، اما النواب فيمنحونها الثقة الشكلية بأصواتهم ليس الا. اذا (شطحت) الحكومات تحضر الرغبة بالخلاص منها، فلا يتأخر النواب عن اطاحتها بموجب توصية، ومما يذكر هنا ان العلاقة بين قطبين أو اكثر في الدولة وتحديدا بين رئيس الديوان ورئيس الحكومة او رئيس الحكومة ومدير المخابرات او مدير المخابرات ورئيس الديوان كانت دائما كفيلة اما ببقاء الحكومة واطالة عمرها او اقالتها بطرق مختلفة، وفي حالات عديدة تبادل اقطاب الصراع الاطاحات كل حسب قدرته، فمن مدراء المخابرات من اطاح رؤساء حكومات وليس برئيس واحد، ومن رؤساء الحكومات من اطاحوا مدراء المخابرات ورؤساء الديوان، اما مجالس النواب فقد رحلت دائما، اما عندما يتصالح الاطراف الثلاثة او عندما يستعصي على احدهم اطاحة الآخر فينتقم من الحليف الأصغر مجلس النواب الذي كثيرا ما حُل (فرق عمله) لا أكثر ولا أقل. مناسبة هذا الحديث المذكرة التي رفعها 42 نائبا ضد الحكومة على ضوئها يمكننا الان معرفة ما اذا كانت حكومة د.عبد الله النسور لا تزال تحظى بالرضا ام انها تعد اسابيعها الاخيرة، فاذا لقيت المذكرة تجاوبا فانها تنذر برحيل الحكومة قريبا، اما اذا بدأت الانسحابات لنعلم اذن ان هذه الحكومة باقية وستعيش جنبا الى جنب مع هذا المجلس في حالة من التوافق وليس الوفاق وهذا ما يطابق معايير الحكومات والمجالس النيابية الاردنية، فالتفاهم والتوافق بين الحكومة ومجلس النواب خصمان لدودان للحاشية ومهندسي القرارات الكبرى الذين ينتظرون دورهم للانتقال من مواقع مؤثرة وحساسة خلف الاضواء الى مناصب فاعلة في العلن، وتحديدا فإن المعركة تحتدم على منصب رئيس الحكومة بالذات وما دام الامر كذلك فان الصراع الصامت على المناصب التنفيذية يبقي البلد ابعد ما تكون عن الحكومات البرلمانية ذلك لان فرص اصحاب الطموحات الكبيرة بمنصب الرئيس ضئيلة جدا لو كان خيار انتقائهم ديمقراطيا ويخضع لارادة الشعب، فليس منهم من يراهن على مئة صوت تأتيه نظيفة بدون تزوير.




التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

براعم البلقاء

هموم وقضايا