الثلاثاء ,19 مارس, 2024 م
الرئيسية موقف البلقاء اليوم الامركزية والادارة المحلية في الاردن .. بقلم المهندس محمد حسين العربيات

الامركزية والادارة المحلية في الاردن .. بقلم المهندس محمد حسين العربيات

2645

البلقاء اليوم - الامركزية والادارة المحلية في الاردن ... بقلم المهندس محمد حسين العربيات

البلقاء اليوم --السلط


كانت الاردن مقسمة إلى خمس محافظات حتى عام 1985 : اربد وعمان والبلقاء والكرك ومعان. وكان المحافظ يرأس كل محافظة وتنقسم كل محافظة الى مناطق إدارية وتعتبر المحافظة امتداد للحكومة المركزية وتشرف عليها وزارة الداخلية. وبالرغم من تمتع المحافظ بسلطة إدارية واسعة وفي بعض الحالات يمارس السلطة الوزارية ،الا انه يتبع لوزير الداخلية.

في أوائل الخمسينيات ، كان عدد سكان الأردن اقل من 850000 نسمة و في الثمانينات تجاوز عدد السكان 3 ملايين نسمة ، أكثر من ثلثيهم يقيمون في محافظتين ، هما عمان (حوالي 1.5 مليون) واربد (725000). لذلك أصبح النظام الإداري غير كافي من نواحٍي كثيرة ، و تم إعادة الهيكلة الإقليمية في النصف الأول من الثمانينات وانشاء ثلاث محافظات جديدة ، وبقيت المحافظة على نفس التسلسل الهرمي الإداري. تم تقسيم محافظة عمان إلى جزأين : عمان (مليون) والزرقاء (425000). تم تقسيم اربد إلى قسمين: اربد (632000) و المفرق (93000) ، وكذلك محافظة الكرك: الكرك (112000) و الطفيلة (37000). الهيكل الإداري الجديد كان أكثر تماسكا لأنه أخذ في الاعتبار التوزيع الديموغرافي وكذلك الجغرافي. وفي اوائل التسعينات تم إجراء المزيد من إعادة الهيكلة ففي عام 1994 تم إنشاء أربع محافظات جديدة.

تنقسم الاردن حاليًا إلى 12 محافظة: عمان ، البلقاء ، الزرقاء ، مادبا ، اربد ، المفرق ، جرش ، عجلون , الكرك , الطفيلة , معان و العقبة, وكل محافظة تم قسيمها إلى لواء و قضاء ومناطق فرعية و تنقسم كل منطقة إلى مناطق بلدية أصغر تديرها البلديات المحلية المنتخبة , بالرغم من ذلك ، فإن نشاط التخطيط الرئيسي داخل هذه المناطق البلدية هو مسؤولية وزارة الشؤون البلدية, ومعظم الخطط التي تعدها البلديات المحلية يجب موافقة الوزارة عليها قبل التنفيذ.
يتبنى الأردن شكلاً متكاملاً من الادارة المحلية تقدم فيه البلديات الخدمات حسب اختصاصاتها, والحكومة مسؤولة عن تقديم الخدمات في جميع المجالات الأخرى. فالبلديات بغض النظر عن حجمها أو مواردها فانها تتحمل مسؤوليات كبيرة وتخضع للعديد من القوانين بالرغم ان هناك العديد من القطاعات ليس للبلديات سلطة عليهم . حيث تعمل البلديات كهيئات مستقلة ، تحت الوصاية الإدارية الكاملة للحكومة خاصة فيما يتعلق بالمسائل المالية والإدارية.
نظام الادارة المتكامل المعتمد في الأردن مركزي للغاية من حيث التخطيط ، لكن لامركزي إلى حد كبير بالنسبة للتنفيذ . مثل هذه المركزية واضحة في التقسيم الهرمي للنظام الإداري إلى المحافظة ، الواء ، القضاء والناحية. و تتجلى المركزية من حقيقة أن البلدية هي مؤسسة مدنية و مستقلة تماما عن الحكومة الا ان النظام البلدي بأكمله مرتبط مع الحكومة من خلال وزارة الشؤون البلدية ويمارس الوزير السلطة على البلديات بطرق مختلفة بموجب القانون .
في الواقع ، يفرض قانون البلديات التزامات ومسؤوليات على البلديات دون دعمها . و تقتصر سلطة اتخاذ القرار على معظم قضايا السياسة والتخطيط الاستراتيجي على المحافظ ووزير الشؤون البلدية . و يعطي القانون البلديات الحق بفرض الرسوم ، ولكن لا يمكنها من تحصيل تلك الرسوم لصالح ميزانياتها. و القانون يعطي أيضا البلديات الحق في إنفاق مواردها ، ولكن يفرض الكثير من القيود على الطريقة التي بها تنفق الموارد. وبالتالي فإن قدرة البلدية على تنفيذ الخطط محددة بواسطة القانون وتعتبر من صلاحيات الحكومة.
يعرف قانون البلديات لعام 2015 في المادة 30 البلدية بانها مؤسسة أهلية تتمتع بالشخصية المعنوية ذات استقلال مالي وإداري تحدث وتلغي وتعين حدود منطقتها ووظائفها وسلطتها بمقتضى أحكام هذا القانون, فبموجب هذا القانون يمكن للبلدية تحديد أو تعديل أو إلغاء حدود اختصاصها ووظائفها وسلطتها. باستثناء أمانة عمان الكبرى و سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة وسلطة إقليم البتراء التنموي السياحي، و يجوز تقسيم منطقة البلدية إلى مجالس محلية بقرار من الوزير ينشر في الجريدة الرسمية كما يحدد القرار حدود المجلس المحلي وعدد الأعضاء الذين ينتخبون فيه على أن لا يقل عددهم عن خمسة أعضاء، ويكون العضو الحاصل على أعلى الأصوات رئيساً للمجلس المحلي .
يشغل المجلس البلدي منصبه لمدة أربع سنوات ، ولكن يجوز حله من قبل مجلس الوزراء في أي وقت بتوصية من وزير الشؤون البلدية. في هذه الحالة يعين مجلس الوزراء لجنة لإدارة البلدية لمدة تزيد عن عامين. و خلال ذلك الوقت يجب إجراء الانتخابات لمجلس جديد. وعادة يتم إجراء الانتخابات لجميع البلديات كل أربع سنوات؛ ومع ذلك ، يجوز للوزير أيضًا تأجيل الانتخابات إذا لزم الأمر.
و بموجب هذا القانون تصنف البلديات إلى الفئات الثلاث التالية:-
الفئة الأولى: بلديات مراكز المحافظات وأي بلدية اخرى يزيد عدد سكانها على مائة ألف نسمة.
الفئة الثانية: بلديات مراكز الألوية والبلديات التي يزيد عدد سكانها على خمسة عشر ألف نسمة ولا يتجاوز مائة ألف نسمة.
الفئة الثالثة: البلديات الأخرى غير الواردة ضمن الفئات الأولى والثانية.
البلديات في جميع الفئات لها أدوار ووظائف مماثلة ولكن تختلف من حيث الموارد والصلاحيات المخولة لها .حيث يتم تحديد وظائف البلدية بموجب القانون وتشمل هذه الوظائف بناء المرافق العامة مثل الحدائق العامة والحمامات والمرافق الثقافية , ومراقبة المباني وجميع الأنشطة التجارية في المدينة وانشاء وصيانة الطرق و الأرصفة وإصدار تراخيص البناء . كما يحملها القانون المسؤولية عن الخدمات التي تقدمها في الواقع مؤسسات أخرى. مثل خدمات المياه والكهرباء والصرف الصحي والمساعدة في الوقاية من الكوارث. بالاضافة الى المسؤوليات تتعلق بإصدار تشريعات جديدة وتحديد الرسوم والضرائب والواجبات الاستشارية وإدارة موارد البلدية والموظفين .
التحدي الرئيسي الذي يواجه معظم البلديات هو كيفية العمل في ظل القيود المختلفة المفروضة عليهم بموجب القانون و ندرة الموارد المالية, و كيفية ايجاد استثمارات ذكية تحقق موارد مالية للبلدية . ومن خلال مراجعة سريعة لبلديات مختلفة في الاردن يتبين أنها تعاني من مشاكل مختلفة مثل الزحف العمراني وسوء استخدامات الأراضي والسكن العشوائي و القصور في تقديم خدمات الصرف الصحي . بالاضافة الى ندرة الموارد المالية والخبرة التقنية ، و البيروقراطية المعقدة , وعملية صنع القرار المركزية تزيد من الضغط على البلديات للوفاء بمسؤولياتهم. لذلك ليس من المستغرب أن تفشل معظم البلديات في أداء مهامها ووظائف الإدارة الحضرية بكفاءة.

كما هو موضح أعلاه ، فإن وزارة الشؤون البلدية لديها مسؤولية وسلطة على جميع البلديات .و الوزارة هي المسؤولة عن إنشاء المجالس البلدية وتطويرها ووضع الخطط الإقليمية على المستوى الوطني ووضع الخطط الهيكلية للمدن والقرى وتمويل المشاريع المختلفة ، والوزارة مسؤولة أيضا عن تقديم خدمات معينة ، أو منح قروض للبلديات ذات الموارد محدودة لتمكينها من تنفيذ واجباتها. كما ان الوزارة تقوم بمعظم مخططات استخدام الأراضي , و على البلدية اخذ موافقة الوزارة على اي تقسيم او تخطيط لقطع الارضي قبل التنفيذ.
في الحقيقة أن الوزارة مسؤولة عن التخطيط وتميل إلى المركزية والحد من مشاركة البلديات ومجالس المحلية في تحديد مستقبلهم. ولكن من ناحية اخرى وجود سلطات محلية صغيرة تقوم بالتخطيط قد يؤدي الى نتائج عكسية . وهذا ما اشارت اليه الخطة التنموية الشاملة لعمان الكبرى، التي اكتملت في عام 1988 ، بان تعدد الوحدات الإدارية داخل منطقة عمان الكبرى يسبب مشكلة تخطيطية . حيث طالب المخططين بحل المجالس البلدية والقروية داخل المنطقة كشرط ضروري للانتهاء من عملية التخطيط. و في عام 1985 تم تحديد منطقة العاصمة عمان الكبرى وضعت تحت السيطرة المباشرة لسلطة امانة عمان الكبرى واعطيت سلطات واسعة للامانة مما يجعلها مستقلة عن وزارة البلديات ، ويقوم امين عمان الذي يتم تعيينه برفع تقاريره مباشرة إلى رئيس الوزراء, و أصبحت عمان نموذجا للمدن الكبرى الأخرى في الأردن.حيث ان العديد من البلديات والمجالس القروية الأخرى تم حلها ودمجها في بلديات كبرى في بداية عام ال 2000 .
وفي عام 2015 تم اقرار قانون الامركزية في الاردن , حيث اصبح لكل محافظة مجلس محافظة ومجلس تنيفيذي تحت اشراف المحافظ , ويحدد القانون عدد اعضاء مجلس المحافظة المنتخبين وتقسيم الدوائر الانتخابية والمقاعد المخصصة لكل منها بنظام يصدر لهذه الغاية و يعين مجلس الوزراء بناء على تنسيب الوزير ما لا يزيد على (25%) من عدد اعضاء المجلس المنتخبين اعضاء في المجلس و تكون مدة المجلس اربع سنوات .
ويتشكل المجلس التنفيذي في المحافظة من المتصرفين ومديري الاقضية ومساعد المحافظ لشؤون التنمية ومديري المديريات التنفيذية والادارات الخدمية في المحافظة ومديري المناطق التنموية والمدن الصناعية في المحافظة ان وجدوا . ويكون نائب المحافظ نائبا لرئيس المجلس التنفيذي ويراس المجلس التنفيذي في حال غيابه.
حيث يتولى المجلس المحافظة حسب القانون مهام معينة مثل اقرار مشروعات الخطط الاستراتيجية والتنفيذية المتعلقة بالمحافظة والمحالة اليه من المجلس التنفيذي والتأكد من تنفيذها و اقرار مشروع موازنة المحافظة ضمن السقوف المحددة من وزارة المالية/ الموازنة العامة المحال اليه من المجلس التنفيذي ومراقبة تنفيذ الموازنات السنوية لجميع بلديات المحافظة. ووضع التوصيات والمقترحات للجهات المختصة بما يكفل تحسين اداء الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة العاملة ضمن المحافظة لضمان تقديم افضل الخدمات.
وتكمن اهمية اللامركزية في نقل الاختصاصات واستقلالية اتخاذ القرار , بجانب انها تتعلق بتوفير درجة اعلى من الديمقراطية على المستويات المحلية , وايضا لضمان درجة اعلى من المشاركة الشعبية في صنع القرار .
التجربة الأردنية مع اللامركزية غير مكتملة , حيث ان الاسلوب الحالي المتبع بالاردن يعطي جزء بسيط من صلاحيات الادارة المركزية لمجلس المحافظة حيث تحتفظ الادارة المركزية بصلاحيات وضع السياسات واتخاذ القرار والاشراف على مجلس المحافظة والبلديات , ويتلخص دور مجلس المحافظة في المتابعة والتشغيل ولايكون له حق مطلق في اتخاذ القرار وتكون مصادر التمويل تابعة للادارة العليا .
لانجاح التجربة الأردنية مع اللامركزية فانه لابد من إعادة الهيكلة الاقتصادية والسياسية والإدارية المرافقة لللامركزية وهذا يتطلب عملية معقدة من التغيير على مستوى التشريعات الإدارية ، حيث تعمل البلديات الان كوكلاء محليين للحكومة بدلاً من كونها ادارة محلية مستقلة ومسؤولة قانونًا أمام الدائرة محلية. ويجب ان يكون هناك تعزيز لصلاحيات البلديات في جوانب التخطيط والادارة الحضرية واستراتيجيات التنمية .
يقع عدد من القطاعات خارج نطاق صلاحيات البلديات. وتشمل بعض قطاعات البنية التحتية مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء والاتصالات والإسكان والبيئة ، التي تم خصخصت بعضها أو نقلها إلى مؤسسات حكومية أو شبه حكومية , وفي ظل عدم وجود آليات واضحة تنظم دور المؤسسات وطبيعة العلاقة التشاركية بينها , سيبقى التداخل الاداري و الازدواجية في العمل.
في الأردن شكل اللامركزية لم ينته بعد, ونتوقع المزيد من نقل الصلاحيات من الادراة المركزية الى المحليات بحيث يقتصر دور الادراة المركزية في وضع الاستراتيجيات العامة ويكون للمحليات صلاحيات ومسؤليات المتابعة والتشغيل وحق اتخاذ القرار وتكون مستقلة ماليا.
تعتبر امانة عمان الكبرى مثال ناجح للادارة المحلية حيث تمتلك الصلاحيات اللازمة للتقدير واعداد المخططات والتنفيذ ولديها قاعدة واسعة من موارد المالية . بينما بلدية إربد مثلا وهي مدينة كبرى وتعتبر في المرتبة الثانية من حيث عدد السكان بالاردن قاعدة موارد المالية لديها ضعيفة ولا تغطي سوى اعمال الصيانة وتحكمها تشريعات تمنع البلدية من القيام بشكل مستقل بمشاريع التنمية الحضرية الكبرى. لذلك ينبغي أن تعالج إعادة الهيكلة البلدية احتياجات البلديات خارج عمان و يجب استخدام نموذج امانة عمان الكبرى كتجربة ناجحة يمكن وضع الية لتطبيقها على البلديات الأخرى ، وبخصوص البلديات الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها قليل نسبيا فان دمجها يعتبر طريقة فعالة لتجميع الموارد.
ننتظرمن الحكومة بعد تعديل مسمى وزراة الشؤون البلدية الى وزارة الادارة المحلية ان يتبعها تعديلات واسعة بالقوانين والتشريعات التي تعزز دور اللامركزية وتجعلها اكثر اكتمالا.

م.محمد حسين عربيات
Mohammad.arabyat@yhoo.com

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

هموم وقضايا