البلقاء اليوم - قمة شرم الشيخ بين "الواقعي" و"التقدمي"، وعلم التحليل!
الامور تقاس بغاياتها. فبينما يرى البعض في تلك القمة إنجازاً بالمقارنة الى ما سبقها من دمار؛ يرى الآخر فيها من العمومية والغموض ما يكفل ضياع التضحية. وإسرائيلُ عندها كمن أُشبِعَتْ شَتماً وفازت بالإبل! فأين نحن من واقعنا وحقيقة الأمور؟ وبصرف النظر عن "البعض" المحق بين الحزبين أعلاه، المؤسف أنني لم أشهد أي تحليل يستعرض ما سبق بمنهجية علميةٍ بحتةٍ تتجنب العواطف؛ للبناء على "الإنجاز" إن وجد؛ أو لتفادي تبعات النقيض! وهو الخطأ الذي دأبنا على تكراره دون كلل وفقا لمل يلي، ولكم الحكم.
من حيث الثوابت العلمية، علينا أن نعي في ثقافة التحليل ابتداءً، أن لكل حدث أياً كان، آثاره الحتمية بين النفع والضرر مجتمعين. إلا أن معيار "الإنجاز" الحقيقي، يكمن في منهجية المحلل عند تعامله مع ذلك الحدث. وعليه، فللمحلل عندها إحدى الخيارين؛ إما أن يبني تحليله على الواقع كما هو- على الرغم من غموضهِ وقدرتهِ على التقلب، (واقعيReactive). أو أن يقوم باستغلال ذلك الغموض والتقلب لغايات صناعة الواقع الذي يوائم غاياته (تقدميProactive). ولنشرح من خلال الأمثلة العملية أدناه:
جاء السابع من أكتوبر، مع مبالغات الحرق والاغتصاب وقطع الرؤوس، ليساهم بتأجيج حالة الهلع "الإسلاموفوبيا" التي كانت تسود العالم الغربي حينها. ونذكر جميعاً مقدار الذم والإدانة التي واجهت العرب/المسلمين ككل- لا فقط المقاومة- في كافة وسائل الإعلام والتواصل وميادين السياسة، حتى بداية ال2024. فسارع محللونا، بسلبيةٍ لتأكيد الضرر الذي لحق بالقضية الفلسطينية في عيون الغرب- على الرغم من النشوة بكسر هيبة الاحتلال! وهو وصفٌ حصريٌ مباشرٌ للواقع الذي اخترنا الانصياع له (واقعيReactive). بينما استغل محللو جنوب أفريقيا بالمقابل، ذات الواقع للبناء على ما يتيح لفلسطين عرض ذاتها على العالم أجمع من خلال العدل الدولية (تقدميProactive)!
كذلك الحال عندما أنكر ذات المحللين قدرة الشارع الغربي على إحداث الفارق في مواجهة القوة العسكرية- في تحليل واقعي مباشر لما كان عليه الحال عندها- إلا أن اثبت تسونامي الرأي العام المتصاعد في مواجهة غطرسة الصهاينة ومن والاهم، قدرته على إرغام قوى الغرب للاعتراف بفلسطين. فما كان منا إلا أن قمنا بتعديل تحليلنا لنبدي التفاؤل، مع الأمل باستدامته دون عمل! مكررين بذلك ذات النهج (الواقعيReactive) للأسف، دون أن نعي أن من شأن واقعنا المتفائل اليوم؛ والذي كان سلبيا بالأمس، أن يعود الى سلبيته غداً ما لم نقم بالبناء عليه!
أملك من الأمثلة ما لا تتسع له مقالات وصحف. إلا أنني أختم بأن أنتقل لتحليل الآثار المترتبة على قمة شرم الشيخ وفقا لكلا النظريتين "الواقعية" و"التقدمية" أعلاه، آملا في تصيب هذه المقالة مقصدها. إذن ووفقا للنظرية الواقعية (Reactive)، أرى في القمة إنجازا يستحق الثناء- على الرغم من الغموض الذي يحيط بآليات تنفيذها- خاصة وأننا نشهد التعاطف العالمي في تصاعد لصالحنا.
أما بالنظرية التقدمية (Proactive)، أرى فيها العجز كله في ضوء غياب الضمان، ما لم نعمل بجد للحفاظ على المكتسبات! فالقمة بمخرجاتها تفترض النقيضين مع وجود ما يدعو للقلق! وللدلالة أورد ما يلي: كرر النتنياهو ما جاء على لسان صاحب البيت الأبيض من أنه "فرض للسلام بالقوة"، وهو مصطلح له من الدلالات الدبلوماسية ما لا يخفى على الأُميْ. بينما أكد الرئيس ترامب أمام الكنيست بأنه نفذ وعوده بنقل السفارة والاعتراف بالجولان وبالقدس عاصمة لإسرائيل؛ وأضاف بترديد حق إسرائيل بأن تكون أقوى وأكبر! مع الزعم بأن الأكثرية تنادي بحل الدولة الواحدة- في تناقض مباشر مع مؤتمر حل الدولتين الذي أقرته معظم دول الأمم المتحدة. وأخيراً، ختم سفيرا أمريكا الحالي والأسبق لتل-أبيب بعزف الحان اغنيت "سويت هوم أُورشاليم" احتفالا بمخرجات القمة!!
أذن فلنبحث بواجبات العمل التي يفرضها علينا التحليل "التقدمي"، وتتمثل بالإجراءات اللازمة للحفاظ على المكتسبات، واستدامة الرأي العام العالمي، والغربي تحديداً، لدعم جهود الدبلوماسية العربية لثبات الموقف والدفاع. وهو الأمر الذي تسعى الماكينة الإعلامية الصهيونية لعكسه بعد أن أيقنت انعزالها! ونستعرض للمقارنة، النهج التقدمي للصهاينة بتصريح النتنياهو مثلاً، أنهم قاب قوسين من إتمام الاستحواذ على منصة "التيك توك" واستمالة منصة "إكس" لأهميتهما في قلب موازين الحرب. بل وإعلانه عن استثمار 145 مليون دولار للتلاعب بمخرجات الذكاء الاصطناعي لدعم السردية الصهيونية عبر وسائل التواصل. وتأكيد البيت الأبيض أخيرا على ضرورة إعادة تبيض صورة إسرائيل عالميا. بينما نتبارز فيما بيننا بين مؤيد وناقد وكأننا نملك زمام المبادرة! أولم نسأم تخاذلنا!!! ماذا نحن منتظرون؟
آن الأوان لأن نبدأ بصناعة مستقبلنا، باستمالة الواقع الذي يوافق غاياتنا، والعمل على تهيئة ظروفه. وأؤكد على حتمية تأسيس وحدة متخصصة معنية بتحديد الأفعال التي من شأنها استدامة تجاوب الرأي العام العالمي مع مقومات الدبلوماسية العربية لإحقاق الحق. والتي منها دعم المؤثرين الفاعلين كباسم يوسف، وخلق منصات اجتماعية عابرة للقارات، غير مقيدة لماكينة الإعلام الصهيونية الخ. فحربنا يا سادةُ حربُ وجودٍ لا حدود! الوقت سيأتي كي نختار بين صحيح وما هو سهل. وقد عبر جلالة الملك برؤية حازمة، وإن لم تخفِ القلق، عن موقف الأردن في قمة شرم الشيخ، بقيادة مسؤولة متزنة، وروية استراتيجية لها ما بعدها. مؤكداً على عدم الثقة بالنتنياهو وحكومته، وسط الخشية من هلاك الشرق الأوسط دون ضياع القضية.
أجدد الدعوة للالتفاف خلف القيادة وعدم خذلان المقاومة التي راهنت على تلك الدبلوماسية، ودورنا في دعم جهود الرأي العام. وأكرر الدعوة لضرورة التوافق الفلسطيني الفلسطيني كحجر أساس، كي يتسنى لنا ترجمة ذلك الصمود الأسطوري في مواجهة العالم. وبغير ذلك، فلن أستبعد حتى حصر "فلسطين" بما يتحرر من غزة دون الضفة وال67، إن أوتي النتنياهو فرصته! ورسالتي لذلك الأخير، هو فرض سلام بالقوة كما أسلفت، إنما هي قوةٌ فرضتها المقاومة أولاً وأخيراً وللحديث بقية،،، والله المستعان.
خبير القانون الدولي والمحلل السياسي
بسام محمد أبو رمان
-
قصة قصيرة ابريق شاي و نيران صديقة .. "نوستالجيا" الدكتور محمد بزبز الحياري
قصة قصيرةابريق شاي و نيران صديقة... -
الأردن .. الجندي المجهول الذي لا ينتظر الشكر بقلم النائب معتز أبو رمان
الأردن... الجندي المجهول الذي لا ينتظر... -
ما هي الأسباب الستة التي أجبرت نتنياهو على القبول بالمرحلة الأولى من الاتفاق ووقف إطلاق النار والانسحاب؟
ما هي الأسباب الستة التي أجبرت نتنياهو على... -
خبير القانون الدولي .. بسام محمد أبو رمان .. يكتب .. بين ترامب والنوبل ساعات تحكمها غزة
بين ترامب والنوبل ساعات تحكمها غزةإلى أين تتجه... -
. على الحكومة ان تبت في هذا الامر والا فإن الفوضى ستعم!
منذ عدة شهور هناك ازمة قائمة وتتفاعل وتحّول... -
أمام دولة رئيس الوزراء المواقع الإخبارية الأردنية درع وطني لا يستهان به…
صراحة نيوز- بقلم /د. خلدون نصيرفي الوقت الذي... -
نحو قطاعات مبنية على الابتكار والبحث العلمي في ظل حكومة أردنية ميدانية بقلم : أ.د. محمد ماجد الدَّخيّل
نحو قطاعات مبنية على الابتكار والبحث العلمي... -
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع