البلقاء اليوم - الدكتور محمد بزبز الحياري
خلق فأبدع
تعودت بين الحين والآخر، وكنوع من الخروج عن نمطية المنشورات التقليدية، ان انشر على المجموعات وأرسل للاصدقاء ، صورا مميزة للطبيعة او للكواكب او للطيور والزهور...الخ، وأختار لها عنوان " خلق فأبدع" مستوحى من جمالها او قوتها او رشاقتها، وكدليل على القدرة الالهية في بديع الصنع وعظمة الخلق، وإقرار وإيمان مطلق مني بأن هناك قوة عظمى ليس كمثلها شيء، تسيطر على هذا الكون وتُسَيِّرُه وفق نواميس دقيقة وصارمة ، هذه القوة كانت سبب نشأة هذا الكون، بكل تفاصيله ، وبيدها خط مسيره، وكذلك خواتيمه، وأنا أقول ان هذه القوة هي الله، ولا شيء غير الله، البديع الباريء الخالق المصور، وغيرنا يسميه بأسماء ٱخرى كالطبيعة والصدفة وما الى ذلك... وفي آخر منشور اخترت صورة للفهد وهو يثب منقضا على احد الطيور بحركة فائقة الجمال والخفة والرشاقة بالاضافة للقوة المعروفة عن الفهد( الصورة مرفقة بنهاية المقال)، وكان ان علق عليها احد علمائنا الاجلاء الذي ٱكن له ، كما غيري كل الاحترام والتقدير بهذا التعليق:
" ما ذنب الضحية من هذا الابداع"
هنا تمسمرت طويلا وألقيت برأسي على كفي عند هذا التعليق الذي لا يشبه التعليقات الاخرى، وأظنه يشي عن فكر مستتر رشح منه هذا التعليق ، وأقول:
عجبت من سؤالك عالمنا الجليل ايما عجب ....فمثلك وبفكرك وبذهابك بعيدا لٱصول الاشياء واسبابها ومسبباتها لا يسأل هذا السؤال، لانه قطعا يعرف اجابته وإجابة ما حوله من اسئلة مشابهة وما فوقه وما تحته، او على الاقل هذا ما اعتقد، لكني سٱمرره وأتخيل انك اردت استفزازي لا أكثر، وذلك بهدف مراقبة ودراسة رد فعلي ، أو ان هناك فكرا آخر يضع مسألة الابداع الالهي وصفات الله في موضع آخر غير موضعها الحقيقي، وٱكرر فمثلك لا يسأل هذا السؤال ، وبهذه الحالة سيكون ردي ليس إجابة عليك يا سيدي، ولكنه اجابة لشخص آخر، سأتخيل للحظات ان من سأل السؤال رجل بإحدى الدواوين ونحن نتسامر، او من قبل شخص من ثقافة اخرى فَهِم قصة المُفترِس والضحية وقوانينها خطاء وبدون تعمق( فهم الوهلة الاولى دون بحث وتفكر) وهنا فقط سٱبرر حيرة السائل لهذه العلاقة وكيفية ربطها بالابداع الالهي.
الفهد الواضح بالصورة بحقيقة الامر أراه لم يتجني على الطائر ولم يذنب بحقه، وكذلك الطائر بالمعنى العميق قد لا يكون ضحية بآخر الامر، فقد يكون مُفترِسا من زاوية ما، لكنهما للوهلة الاولى يبدوان كذلك، فالطائر لو كشفت عنه في هذه اللحظة لوجدت الكثير من الديدان والحشرات وكذلك احد الضفادع يقبع في حوصلته فهو قد مارس هذا (الذنب ) قبل لحظات على كائنات ٱخرى قد نعتبرها حسب تفسيرك للامور ضحية للطائر ، والفهد لو كشفنا عن معدته لوجدناها خاوية وان لم( يجني) على هذا الطير ويفترسه فسيموت جوعا ، ليس هذا فحسب ،بل لا تلبث اشباله القابعة هناك بالجحر ولاحول لها ولا قوة الا الموت جوعا بسبب موت معيلها، ولماذا نذهب بعيدا ، الا تذكر يا سيدي بأنه جمعنا منسف واحد سويا بإحدى المناسبات وهشمنا من لحم الخراف( الضحية) ما لذ وطاب.
ان التوازن البيئي الذي وضع نواميسه خالق هذا الكون ومبدعه ، من الدقة والصرامة بمكان، انه كانت هناك معادلة متوازنة الاطراف تحكم سلوك جميع هذه الكائنات بعضها مع بعض فلا يتغول احدها بالنهاية على الآخر, انما هي معادلة " دقة عالحافر ودقة عالمسمار" وذلك لتستمر الحياة وفق ما نراها ونحياها بشموليتها وليس الحكم من زاوية ضيقة ،حتى وإن بدا احدها للوهلة الاولى مفترِسا( متجني) والآخر مفترَسا( مجني عليه أو ضحية).
حدث في محمية يلوستون الطبيعية بامريكيا ان تغولت الذئاب على الغزلان( هكذا اعتقد القائمون على المحمية) وكادت ان تفتك بها، وخافوا على الغزلان من الانقراض فقرروا في عام ١٩٢٦ التخلص من الذئاب نهائيا وذلك بهدف الحفاظ على الغزلان، وقد كان ...وبتدخل العامل البشري في أحد اطراف معادلة التوازن البيئي تكاثرت الغزلان بشكل كبير جدا نظرا لغياب تأثير العدو الطبيعي عليها، حتى انها ( الغزلان)تغولت على باقي عناصر البيئة الطبيعية وبالتالي أحدثت خللا أدى الى اختفاء الاشجار والغطاء الاخضر و تحويل مجاري الانهار وكادت ان تنقرض كثير من الحيوانات بسبب شح مراعيها مما اضطر القائمين على المحمية عام ١٩٩٦ لإعادة الذئاب للمحمية بهدف العودة للتوازن البيئي الطبيعي الاصيل، وحدث في الصين ايضا ان أمر ماو تسي تونغ عام ١٩٥٨ بالقضاء على طائر الدويري كونه يتغذى بشكل رئيسي على محاصيل الحبوب، وبالفعل تم القضاء عليه ، وما ان حل عام ١٩٦١ حتى حدثت المجاعة الكبرى وتسببت بهلاك عشرة مليون مواطن كون الحشرات والديدان التي كانت جزء من غذائه قد أتت على اغلب محاصيل الحبوب ،وتفاصيل هذه القصص تجدها بسهولة في آرشيف الافلام الوثائقية، وبعد كل هذا تتعجب وتتسائل يا سيدي عن هذا الابداع الذي يفرز ضحايا( حسب رأيك) وتقول "ما ذنب الضحية من هذا الابداع"، اما انا فأقول انه الابداع الحق بعدما فهمت ( او هكذا اعتقد) العلاقة السببية بمعناها ال صحيح بين المُفترِس والضحية ، والتي أدت فيما أدت اليه لاستمرار مسيرة الحياة والكون عموما.
كل هذا وغيره كان بالكون الواسع وبين الكائنات على مختلف انواعها، اما بالنسبة للعامل البشري وتدخله في التوازن البيئي والكوني فقد كان تدخل ذو اتجاهين : ايجابي وسلبي وترجم الى سلوك تحسين وتطوير للبيئة من ناحية، وسلوك آخر عبثي تدميري لها من ناحية ٱخرى، وكل ذلك كان بحسب ما اقتضته النواميس الالهية عندما وهب الله العقل للبشر دون باقي المخلوقات، هذا العقل الذي ترك له حرية الاختيار بين نقيضين اما اعمار الكون وهي المهمة التي كُلِف بها من ضمن مهامه ، واما الحياد عنها والذهاب لتدميره ،وقد انقسم البشر على مر التاريخ بين هذا وذاك، ولهذا وجدت حياة آخرى، وحساب ، وجنة ونار، وبنفس السياق كان هناك خلل ما بفهم العقل البشري لمعادلة المُفترِس والضحية، فقد استعار البشر هذه المعادلة من باقي الكائنات وطبقها بفجاجة وسطحية على نفسه على مر التاريخ وكان ايضا تطبيقهولها بإتجاهين، اما الاكتفاء بمراقبة ودراسة هذه المعادلة وتسخيرها لخدمة البشرية او استعمالها للفتك ببعضهم البعض.
انا لست حارسا على الفهم الصحيح لنواميس الكون ولا ادعي ذلك، وبالتأكيد لا امتلك الحقيقة الكاملة واحتكرها ، ولكن اعتبر نفسي مجرد قاريء،فقد ورثت اسلاما ، لكني وبحمد الله اكتسبت ايمانا وٱحاول قدر استطاعتي الفهم والتفكير والتفكر، لكن ضمن سياق ومحددات ايمانية، فكثير ممن ذهبوا بالعقل والتفكير بشكل مطلق وجردوه من الاطار الايماني، ذهبوا بدروب شتى وعشوائية اتعبتهم اولا ثم اتعبت من حولهم ، وأسسوا لمرجعيات فكرية قاصرة عن الفهم الدقيق والحقيقي للنواميس الالهية، واشتطت عقولهم وفلتت من عقالها وخالفت طبيعتها الاصلية وما فُطِرت عليها.
سيدي انت عَبَّرت عن ما املاه عليك فكرك أو هكذا تصورت، وأنا عبرت بموجب ضوابطي الايمانية ، وكل يغني على ليلاه
-
الدكتور جعفر حسان وفصلاً جديداً بنظريته "البناء في رحم الأزمات " بقلم : أ.د. محمد ماجد الدَّخيّل
الدكتور جعفر حسان وفصلاً جديداً بنظريته البناء... -
لانا عصفور .. تكتب .. اليوم لم يكن خطابًا عاديًا، بل مرآة لوطنٍ صُنع من الصبر،
#لانا #عصفور ... تكتب .... اليوم لم يكن خطابًا... -
وحدَةُ الموقف والمَصير .. «البَقْعَة وعين الباشا» يُبايِعانِ جلاله الملك عبد الله الثاني المعظم
وحدَةُ الموقف والمَصير... «البَقْعَة وعين... -
دولة د. جعفر حسّان ونظرية الالتزام بقلم : أ.د. محمد ماجد الدَّخيّل
دولة د. جعفر حسّان ونظرية الالتزام بقلم : أ.د.... -
-
قصة قصيرة ابريق شاي و نيران صديقة .. "نوستالجيا" الدكتور محمد بزبز الحياري
قصة قصيرةابريق شاي و نيران صديقة... -
الأردن .. الجندي المجهول الذي لا ينتظر الشكر بقلم النائب معتز أبو رمان
الأردن... الجندي المجهول الذي لا ينتظر... -
ما هي الأسباب الستة التي أجبرت نتنياهو على القبول بالمرحلة الأولى من الاتفاق ووقف إطلاق النار والانسحاب؟
ما هي الأسباب الستة التي أجبرت نتنياهو على...
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع