السبت ,20 أبريل, 2024 م
الرئيسية موقف البلقاء اليوم قواعد الإشتباك التي تفرضها صفقة القرن على الدولة الأردنيّة

قواعد الإشتباك التي تفرضها صفقة القرن على الدولة الأردنيّة

1297

البلقاء اليوم - البلقاء اليوم --السلط
لقاء الثلاثاء المرتقب، الذي سيجمع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بممثليّ الإحتلال "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، وبيني غانتس، لن يفجّر مفاجأة غير متوقّعة، فيما يتعلّق بصفقة القرن، التي تمّ تسريب بعض بنودها عمدا، لتهيئة المنطقة لحقيقة جوهريّة، مفادها أن الولايات المتّحدة لم تعد تجد أيّ حرج في طرح نفسها كطرف محوريّ في الصراع الدائر بالشرق الأوسط، بعيدا عن المفردات الدبلوماسيّة ونشاز معزوفة "الرعاية الأميركيّة لعمليّة السلام".

منذ أن قرّرت واشنطن نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، والأمور أكثر من واضحة وفاضحة.. ما تعلنه إدارة ترامب، فعلا وليس قولا، أنّها قادمة بإملاءات من المطلوب تنفيذها والخضوع لها، دون الأخذ بعين الإعتبار لمصالح بل ووجود أيّة أطراف أخرى، سواء الفلسطينيين أو الدولة الأردنيّة.. فما هو الجديد الذي سيتمخّض عنه اللقاء المرتقب، بعد هذا الإنحياز السافر، والمعلن دون مواربة أو خجل؟!

عنجهيّة الكو كلوكس كلان الجدد وصلت إلى التخلّي عن مجاملات النظر إلى الدولة الأردنيّة كشريك استراتيجيّ. الأمر لم يقف عن حدود تجاهل مصالح ومصير الأردن في مشروع ترامب لما يسمّيه بـ "الحل"، بل لم يتمّ حتّى إطلاع القيادة الأردنيّة على تفاصيل وبنود هذه الصفقة، وفق ما أكّد وزير الخارجيّة، أيمن الصفدي، في اللقاء الذي جمعه بعدد من الزملاء يوم أمس السبت.

الأردن الرسمي أعلن في أكثر من مناسبة موقفه الواضح والرافض لهذه الصفقة، وعلى لسان الملك. أيّ حلّ أو تصوّر لا يقوم على أساس الدولة الفلسطينيّة المستقلّة، يعدّ خطرا وجوديّا حقيقيّا على مستقبل الدولة الأردنيّة وكيانها، كما أن مسألة القدس تعدّ خطّا أحمرا، لا يمكن قبول تجاوزه بأيّ شكل من الأشكال. في هذا السياق، جاء الموقف الرسمي غير المنسجم مع جماح شهيّة اليمين الصهيوني.. ولكن..

التمسّك بالرفض اللفظي، والبيانات المناوئة لصفقة القرن، لن يكون مجديا على الإطلاق، في مواجهة فايروس الأمر الواقع، الذي ينتشر عبر إجراءات عمليّة يفرضها الطرف الأميركي- "الإسرائيلي" على الأرض، ابتداء بالهيمنة على القدس والجولان، وليس انتهاء بإجراءات ضمّ غور الأردن.. وقبل كلّ هذا الإصرار الوقح على صيغة "يهوديّة الدولة".

مشروع "يهوديّة الدولة"، ومسألة القدس، إلى جانب قضم أراضي الضفّة الغربيّة، والقضاء على أيّة إمكانيّة واقعيّة لبناء دولة فلسطينيّة مستقلّة، لا يعني تصفية القضيّة فحسب، بل يتجاوز ذلك بتهديد الوجود الأردني المحض. طرح "الوطن البديل" لم يعد مجديا تجنّبه باعتباره "نظريّة مؤامرة"، ودفن الرؤوس في الرمال المتحرّكة.. الموقف الرسمي الأردني جاء تعبيرا مباشرا عن هذه المخاوف، فهل يكفي هذا الرفض؟

الأجواء المسمومة السائدة جاءت كما تشتهي سفن التيّار المساند لمشاريع تصفية القضيّة الفلسطينيّة على حساب الأردن، فتراقصت الأقلام المردّدة لمعزوفة استحالة المواجهة، والإعتراف بالعجز، على صفحات وسائل الإعلام.. وكأن صفقة ترامب قدر ربّانيّ يجب التسليم به.. وفي المقابل، هناك أيضا من اعتبر التصريحات الرسميّة اللفظيّة أكثر ما يمكن بلوغه، في عمليّة التصدّي لهذه الصفقة.. وكأن المعادلة أغلقت على الصيغة التالية: إمّا التسليم أو الاختباء خلف بيانات التنديد على قارعة انتظار "غودو"!

صندوق مصمت، يحاول محترفو اللعب من وراء الستار فرض كلّ الحلول ضمن أبعاده الضيّقة.. أمام هذا الفعل العدائي الذي يمارسه اليمين الصهيوني وإدارة ترامب ضدّ الأردن وفلسطين، دون حتّى المبالاة بما يسمّى بالمجتمع الدولي.. وكأن البيت الأبيض أصبح ظلّ القدر الوحيد على كوكب الأرض.

في مواجهة هذا العدوان الأميركي الواضح والسافر، يعجز منطق التريّث وتقديس العلاقات الدبلوماسيّة عن تبرير ذاته.. الحلّ لا يمكن أن يقتصر على حدود هذا الصندوق، ولا يمكن لأيّة صفقة أو مشروع اكتساب "شرعيّة" ما، دون توقيع كافّة الأطراف.. هذا أوّلا.. ثمّ من قال أن على الأردن تقديس تحالفاته القديمة، والتمسّك بالصيغة الدبلوماسيّة الناعمة والخجولة.. ما يحدث الآن هو باختصار عدوان مباشر على الدولة الأردنيّة، وأقلّ ما ينبغي فعله هو طرح كافّة التحالفات (الإستراتيجيّة والتكتيكيّة) على طاولة إعادة النظر.

ليس التحالف مع الطرف الأمريكي المنحاز لليمين الصهيوني هو فقط ما تنبغي إعادة النظر فيه.. كلّ العلاقات التي تمّ إبرامها مع "اسرائيل" يجب أن تطرح الآن على الطاولة، سواء اتفاقيّة وادي عربة، أو صفقة الغاز، التي لا مبرّر لعدم إلغائها الآن وعلى الفور.. ليس كردّة فعل، بل كخطوة أولى على طريق استراتيجيّة جديدة، لا تنظر إلى الجانب الأميركي كطرف محايد على الإطلاق، وهذا أضعف إيمان مواجهة هذا الإعتداء.

البيانات اللفظيّة، وردّات الفعل، لن تقودنا إلى أيّ مكان، خاصّة وإن المشروع الأميركي- الإسرائيلي قد بدأ تطبيقه بالفعل، على أرض الواقع.. المطلوب اليوم هو رؤية شموليّة تخرجنا من دائرة ردّات الفعل، ومربّع تقديس التحالفات والعلاقات الدبلوماسيّة.

الأردن ليس عاجزا بالمطلق، وعلى الساسة إدراك حقيقة أن المسألة باتت مسألة وجوديّة.. وقواعد الإشتباك التي يفرضها المنطق البسيط تتمثّل، إلى جانب إعادة النظر بكافّة التحالفات والاتفاقيّات، بتمتين الجبهة الداخليّة، واستمرار الدعم المطلق غير المشروط لتماسك الجبهة الفلسطينيّة، وبدء العمل على قاعدة أنّ الأردن وفلسطين في خندق واحد، في مواجهة ما يهدّد وجودهما معا.

أصحاب الرقاب الحمراء في واشنطن يعتقدون أن لغة "البزنس" ستمكّنهم من تغيير وجه التاريخ، وجغرافيا الشرق الأوسط، وقتما وكيفما شاءت رغبات وشهوات حلفائهم في تل أبيب.. في نهاية الأمر دونالد ترامب رجل أعمال، أكثر من كونه سياسيّا يواجه العزل، ووفقا للغة الدولارات التي لا يعرف غيرها، يحاول تطويع الأردن (الذي لم يعد يعتبره شريكا) بحفنة من المساعدات.. الأمر الذي يطرح ضرورة ملحّة على أجندة صنّاع القرار، تتلخّص في مغادرة مستنقع السياسة الإقتصاديّة المتهافتة على أحضان المؤسّسات الماليّة الدوليّة، والعمل الجاد على استعادة دور الدولة، في بعث الحياة بمختلف قطاعات الإنتاج.

الشعب بكلّ فئاته يصطفّ حول الموقف الرسمي الرافض لصفقة القرن.. هذه الورقة وحدها من شأنها تغيير قواعد اللعبة، التي يحاول مسخ بنيامين ترامب فرضها على المنطقة.. الاستناد إلى هذه الحقيقة، بعيدا عن فيتيشيّة التحالفات القديمة، وعبر تطوير الرفض اللفظي إلى خطةّ متكاملة الأبعاد السياسيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة، من شأنه الردّ على صفقة القرن بصفعة عمليّة، تترجم لاءات الملك على أرض الواقع.

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

هموم وقضايا